تقاريرهام

العمليات العسكرية التركية شمالي سوريا.. حق قانوني وأبعاد استراتيجية (تقرير)

أجمع محللون عسكريون وسياسيون أن من حق تركيا شن العمليات العسكرية شمالي سوريا كونها مترابطة مع عملياتها ضد الإرهاب شمالي العراق، لافتين إلى أن هذه العمليات تستند إلى مبررات قانونية واستراتيجية قوية، في مواجهة تهديدات تنظيم PKK/PYD الإرهابي المستمرة، والانتهاكات التي تستهدف المدنيين.

يأتي ذلك في ظل تصاعد الأحداث شمالي سوريا، ووسط تطورات عسكرية وأمنية متلاحقة عنوانها استمرار انتهاكات التنظيم الإرهابي بحق المدنيين في مناطق (درع الفرات ونبع السلام)، حيث شهدت منطقة الباب بريف محافظة حلب، مؤخراً، تصعيداً ملحوظاً إذ تصدى الجيش الوطني السوري لمحاولة تسلل نفذها عناصر تنظيم PKK/PYD الإرهابي.

ولفتت مصادر عسكرية شمالي سوريا، إلى أن هذا التصعيد الأخير ليس بمعزل عن استهداف التنظيم الإرهابي المستمر لمناطق مثل الباب، أعزاز، جرابلس، وعفرين، التي تم تحريرها سابقاً ضمن عمليات “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، حسب تعبيرها.

ووسط كل تلك التطورات، حين تتزايد التساؤلات حول أبعاد العمليات العسكرية التركية وأهدافها القريبة والبعيدة في حال قررت تركيا الإعلان عن موعد “ساعة الصفر” للبدء بعمل عسكري يستهدف التنظيمات الإرهابية التي تخدد أمنها القومي.

وحول ذلك، قال الباحث في المجال العسكري والسياسي، رشيد حوراني لـ “وكالة أنباء تركيا”، إنه “في الوقت الذي تدخلت فيه عدة دول على الساحة السورية (روسيا وإيران وأمريكا) لتحقيق مصالحها أو لمد نفوذها، واستخدام تدخلها في سورية ورقة تفاوض متعددة الاتجاهات، تأتي العمليات العسكرية التركية في سورية تأكيدا على الاستراتيجية التركية المتمثلة بتحقيق الاستقرار في مناطق تدخلها، إذ أن اللجوء إلى العمل العسكري يتم اعتماده كآخر الأدوات المستعملة في تحقيق ذلك”.

وأضاف أنه “فيما يتعلق بعملياتها العسكرية في سورية فإنها تتكامل مع عملياتها شمالي العراق، وتسعى من وراء ذلك لتحقيق هدفين لطالما تكررا على لسان مسؤوليها وهما تحقيق الاستقرار على الساحة السورية، ومحاربة الإرهاب الذي يهدد سوريا بمختلف أشكاله ويهدد الأمن القومي التركي، وهو ينحصر بنشاط (PKK الإرهابي) وذراعه السورية (PKK/PYD الإرهابي)”.

وأوضح أنه “بعد عملية (نبع السلام) حاولت تركيا شن عملية عسكرية ضد الوحدات الانفصالية، لكن يبدو ان الظروف الدولية واندلاع حرب أوكرانيا، والحراك السياسي في الداخل التركي (انتخابات البلدية والانتخابات الرئاسية)، كل هذه العوامل أدت إلى تأجيل عملياتها في سورية”.

ولفت إلى أنه “في نهاية العام 2022، بدأت تركيا عملية جوية لا تزال مستمرة حتى اليوم ضد الوحدات الانفصالية تحت مسمى مخلب السيف، ويعكس استمرارها سعي تركيا إلى ضرب تلك الوحدات وإضعافها إلى حين توفر الظروف المناسبة، ويبدو أن مؤشرات توفرها تلوح في الافق مع وصول ترامب إلى السلطة من جديد في أمريكا”.

وأكد محللون عسكريون وسياسيون أن تركيا تستند في عملياتها إلى مبررات قانونية، أبرزها حماية الأمن القومي، إذ تستهدف العمليات التركية منع تسلل العناصر الإرهابية وتحييد خطرها، إضافة مبررات أخرى ومنها تطهير المنطقة من الإرهاب، إذ أن استمرار وجود تنظيم PKK/PYD في شمال سوريا يشكل خطراً مباشراً على أمن الحدود التركية والمناطق السورية المحررة، وفق تأكيداتهم.

من جهته، قال هشام سكيف وهو قيادي في الجيش الوطني السوري /الفيلق الثالث لـ “وكالة أنباء تركيا”، إنه “بحسب الميدان فإن لتركيا والجيش الوطني عدة أهداف تتركز في تأمين المناطق الآمنة من الاعتداءات التي تقوم بها قسد (PKK/PYD الإرهابي)، وجعل المنطقة الآمنة متصلة، وضمان عودة أكبر عدد ممكن من اللاجئين إليها”.

وأضاف أنه “بناء على تلك المحددات تكون مناطق تل رفعت ومنغ ومحيطها وأيضا منبج وعين عرب، أكثر المناطق التي تأخذ أولوية في تطهيرها من تنظيم قسد (PKK/PYD الإرهابي)، سيما أن هذه المناطق تشكل قسما كبيرا من المهجرين قسرا وخاصة تل رفعت ومنبج”.

والإثنين، أعلنت وزارة الدفاع التركية، تحييد 7 إرهابيين في منطقة عمليات “درع الفرات” شمالي سوريا، مؤكدة في بيان أن القوات المسلحة التركية تواصل عملياتها خارج الحدود في إطار “القضاء على الإرهاب في منابعه”.

وتسعى تركيا من خلال عملياتها العسكرية المرتقبة إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي، وخلق منطقة آمنة خالية من الإرهاب، تسهم في عودة النازحين السوريين إلى ديارهم

بدوره، قال الناشط السياسي، مصطفى النعيمي لـ “وكالة أنباء تركيا”، إنه “في ظل التخبط الدولي في إدارة مناطق النفوذ المتعددة في سوريا ليس من السهل معرفة التصور الواضح لآلية تفاعل تركيا والولايات المتحدة مع ملف العملية العسكرية داخل سوريا، إضافة إلى أن تشعب هذا الملف من حيث التأثير الروسي والإيراني والأمريكي ربما يعتبر أحد أبرز معوقات أي عملية عسكرية تركية إن حصلت في المنطقة”.

وتابع “لكن في حال إعلان الولايات المتحدة الانسحاب من مناطق سيطرتها سواء كانت في محيط منبج أو باتجاه الرقة فأعتقد بأن هناك أولويات لدى واشنطن بأن يكون من يمنع الفراغ هو تركيا نظرا لأن تركيا هي الدولة الأقرب إليهم في حلف (الناتو)”.

وأضاف “لذلك الموقف التركي ينطلق من مبدأ تأمين أمنه القومي ضمن مجاله الحيوي داخل الأراضي السورية، إضافة إلى أن هناك اتفاقيات عسكرية أبرمت في السابق ومنها اتفاقية أضنة والتي تنص على دخول قوات تركية بعمق 35 كلم داخل الأراضي السورية لملاحقة من تصفهم أنقرة بالإرهابيين”.

وزاد بالقول “بناء عليه أرجح أن يكون من يدير هذه المناطق بعد انسحاب الأمريكي هو القوات التركية من ناحية الدعم والإسناد، وقوات الجيش الوطني السوري من ناحية السيطرة على المنطقة، كي لا تشهد فلتاناً أمنيا في حال الانسحاب”.

وختم قائلا، إنه “وبناء على ما سبق أعتقد بأن جميع الرؤى المقدمة بخصوص الملف السوري اليوم ما زالت ضمن نطاق ادارة الصراع ولم تنتقل إلى مرحلة إنهاء الصراع، والسبب تعدد وتجاذب المشاريع الدولية داخل الأراضي السورية، لكن الموقف التركي واضح من حيث طبيعة تلك التحركات المبنية على تفاهمات دوليه إضافة إلى التفاهمات المحلية والإقليمية لما يخص مسألة إدارة تلك المناطق التي ستشهد عمليات عسكرية تركية”.

ومع تصاعد التوترات على الأرض، يبقى التساؤل الأهم: هل ستنجح تركيا في تحقيق أهدافها الاستراتيجية وتعزيز الاستقرار في الشمال السوري؟

وفي هذا الجانب، قال الناشط السياسي عبد الكريم العمر ابن منطقة إدلب لـ “وكالة أنباء تركيا”، إن “تركيا ترى في تنظيم PKK الإرهابي عدو يهدد أمنها القومي، ولذلك هي تتخوف من توسعه وانتشاره وتأثيراته على الوضع في تركيا، خاصة في ظل وجود قسم كبير من الأكراد داخل تركيا ربما يؤيد بعضهم هذا التنظيم، ومن أجل ذلك فإن عمليات تركيا العسكرية لها أبعاد استراتيجية في إنهاء وجود هذا التنظيم وإضعاف قوته شمال شرقي سوريا”.

ورأى أن “أحد محاور العمليات العسكرية التركية قد تكون من ريف حلب الشمالي وقد تكون من جهة منطقة عين العرب أو ربما من مناطق خطوط الجبهات الفاصلة ما بين مناطق الجيش الوطني السوري في مناطق رأس العين ومناطق PKK/PYD  الإرهابي في بلدات تل تمر والمناجير وغيرها، خاصة وأن هناك حشودات تركية بدأت تصل منذ شهر تقريبا وهناك تسارع بالتصريحات مقابل ذلك، ولكن في الوقت نفسه التحركات العسكرية التركية مرتبطة بترقب الموقف الأمريكي وما ستقرره الإدارة الأمريكية الجديدة بخصوص سحب قواتها من سوريا من عدمه”.

أما المحلل السياسي مأمون سيد عيسى، ابن منطقة إدلب شمالي سوريا، فرأى أن “أي تحرك تركي هو عبارة عن حق قانوني، لأن إقامة كيان كردي في المنطقة يعني خطر امتداد هذا الكيان إلى تركيا وإقامة كيان موازي في تركيا بسبب تشابه التركيبة الطائفية والإثنية بين تركيا وسوريا، وبالتلي يخشى الأتراك من تحرك كردي لإقامة أي كانتون كردي بدعم إسرائيلي في الشمال السوري، وبالتالي أي تحرك عسكري تركي هو حق للأتراك كعملية وقائية لهم”.

وأضاف في حديثه لـ “وكالة أنباء تركيا” أنه “من المرجح شن عمل عسكري تركي على محاور منطقة جرابلس ومنطقة تل أبيض، حيث أن هناك فراغ بين المنطقتين تتواجد فيه قوات تنظيم PKK/PYD  الإرهابي، وبالتالي ستعمل تركيا على وصل هاتين المنطقتين ببعضهما البعض ليكون قسم كبير من الحدود التركية خالي من الإرهاب ومن خطر التنظيم الإرهابي”.

في مقابل كل ذلك، وفي ظل التوقعات بانسحاب القوات الأمريكية من سوريا، تسعى تركيا إلى تأمين مناطق الشمال السوري والحفاظ على استقرارها، وفق محللين.

وفي هذا الجانب، تحدث الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، محمد السكري لـ “وكالة أنباء تركيا”، قائلا “بتقديري، أن التصريحات التركية بخصوص التعامل مع ملف الانسحاب الأمريكي، هو موقف بروتوكولي اعتادت أنقرة الإشارة له باستمرار، على أمل وجود تغييرات في التوجه الأمريكي فيما يرتبط بالملف السوري، مع ذلك ما يزال الانسحاب الأمريكي من عدمه غير واضح وليس له مؤشرات”.

وأضاف “أمّا السيناريوهات فهي أقرب لاستمرار أنقرة في الضغط ضمن الظروف الإقليمية لأجل تحصيل مكاسب متعلقة بالمنطقة الآمنة وحماية حدودها وأمنها القومي؛ ما يعني أنّه من المبكر الحديث عن وجود تغييرات في الملف السوري”.

ورأى خبراء عسكريون، أن “الانسحاب الأميركي إنْ تم سيخلق فراغا جيواستراتيجيا وأمنيا في سوريا وربما في المنطقة، وهذا بحد ذاته ما سيدفع كثيرا من أصحاب النفوذ والفاعلين الدوليين والإقليمين للإسراع في سد هذا الفراغ الكبير الحاصل”.

من جهته، رأى الناشط السياسي مالك عبيد في حديثه لـ “وكالة أنباء تركيا”، أن “تركيا تشهد حالة من الترقب بعد فوز ترامب بالانتخابات الأمريكية، خاصة بشأن سياسته الخارجية تجاه الشرق الأوسط وملف الانسحاب الأمريكي من سوريا، كما تخشى تركيا من أن يؤدي الانسحاب إلى فراغ أمني واضطرابات جيوسياسية، لكنها تأمل في تفاهمات مع واشنطن بشأن انسحاب تدريجي يتم بالتنسيق مع روسيا وسوريا”.

وتابع “من جهة أخرى، تثير التطورات قلق (تنظيم PKK/PYD الإرهابي) وذراعه السياسي أو ما يسمى بـ “مسد” شرقي سوريا، حيث يخشى التنظيم من أن يؤدي الانسحاب الأمريكي إلى استفراد روسيا وتركيا وقوات النظام السوري به، مما يقوض مشروعه في إقامة كيان مستقل”.

وأضاف “تطمح تركيا إلى الدخول بعمق 30-40 كيلومتراً داخل الأراضي السورية لإبعاد (PKK/PYD) الإرهابي عن حدودها، مما يعزز أمنها القومي، كما تتطلع إلى دور أمريكي فعال في تحقيق الاستقرار السياسي بسوريا، بما يشمل تنفيذ القرار الدولي 2254”.

وختم بالقول “في المحصلة، يُتوقع أن تصب السياسة الأمريكية القادمة في صالح تركيا والمعارضة السورية، بينما قد يخسر (PKK/PYD) نفوذه، مع احتمال تحجيم الدورين الروسي والإيراني في المنطقة”.

زر الذهاب إلى الأعلى