في تطور غير مسبوق، وصف محللون ومراقبون ما يجري في مدينة حلب أنه “زلزال لم يكن يتوقعه حتى أشد المتفائلين بالملف السوري”، حيث تمكن الجيش الوطني السوري من السيطرة على أحياء واسعة من المدينة وقلب الموازين على النظام السوري، في إطار عملية “ردع العدوان”.
وشهدت الساعات الأخيرة تحولًا حاسمًا مع انتشار الجيش الوطني السوري في مدينة حلب.
والأربعاء 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، أطلق الجيش الوطني السوري معركة “ردع العدوان” شمالي سوريا، محققاً انتصارات واسعة أبرزها تحرير ريف حلب الغربي بأكمله والانتقال إلى محاور أخرى بريف إدلب بهدف تطويق مدينة حلب وقطع طرق الإمدادات الاستراتيجية عن النظام السوري وقوات أخرى مساندة له.
ويرى محللون أن هذا التطور سيؤدي إلى تغييرات جذرية في المعادلة السورية، حيث ستضطر الدول الغربية والأوروبية، الداعمة للنظام السوري، إلى إعادة تقييم مواقفها وحساباتها.
وأكدوا على أن السيطرة على مدينة حلب ستدفع باتجاه مسارات سياسية جديدة، تختلف تمامًا عن السياقات السابقة.
وأشار الخبراء إلى أن تشكيل خريطة نفوذ جديدة في سوريا أصبح هدفًا واضحًا للدول الضالعة في الملف السوري، بما في ذلك تركيا التي يُعتقد أنها تدعم بقوة هذا التحرك.
وقال وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة عبد الحكيم المصري لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “النظام السوري متهالك ومنهار بشكل كبير جدا ولولا الدعم الخارجي لم يتمكن من الوقوف والصمود أمام فصائل المعارضة السورية”.
وأضاف أن “المناطق المحررة سوف تتوسع وسيكون هناك عمل عسكري آكبر بهدف عودة النازحين والمهجرين واللاجئين ما يؤمن مساحة واسعة لعودة المهجرين، وسيكون هناك الكثير من الآثار الاقتصادية والسياسية الإيجابية بالنسبة للمدنيين”:.
وأشار المصري إلى أن “ما يجري قضى على حلم النظام وحليفه الروسي بأنهم سوف يعملون على إرجاع سوريا إلى إدارتهم وتحت سطوتهم بشكل كامل، أما الآن فالوضع أصبح متغيرا فهو لم يكن قادرا على حماية مساحة كبيرة من حلب وهناك تطورات عسكرية على محاور أخرى، ما سيجبر النظام على القبول بالذهاب إلى طاولة المفاوضات وإنعاش الحل السياسي المتعثر بسبب النظام وداعميه”.
أما القيادي في الجيش الوطني السوري ـ الفيلق الثالث، هشام سكيف فقال لـ”وكالة أنباء تركيا” إن “حلب جوهرة الشمال ودرة الشرق ومدينة المال والأعمال والعراقة، تعود مجددًا إلى أحضان أهلها بعد أن سيطر عليها النظام السوري وحلفائه عام 2016، يومها، تكبدت الثورة خسارة سياسية وجغرافية كبيرة، فقدنا خلالها السيطرة على نصف المدينة، لتتحول إلى رمز للألم والصمود”.
وأضاف سكيف “اليوم، ونحن نستعيد حلب بكل ما تمثله من قيمة استراتيجية، ومعها ريفها بالكامل، فإن هذه الأيام تحمل معها تحولاً كبيرًا في مسار الثورة، إنها ليست مجرد استعادة لمدينة، بل خطوة نحو هدف أكبر، حيث تتجه الأنظار إلى دمشق لاستكمال تحرير كامل الأرض السورية”.
وفي خضم التطورات المتسارعة التي تشهدها مدينة حلب، تتجه الأنظار إلى العمليات العسكرية الجارية وما تتميز به من تنظيم وتطور غير مسبوقين.
بدوره، سلّط الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة سمير العبد الله، الضوء على الخصائص الجديدة لهذه العمليات، بما في ذلك التنسيق العالي بين الأطراف المشاركة واستخدام أسلحة مبتكرة كالمسيّرات المفخخة.
وأعرب عن “التفاؤل بتحرير المناطق والمخاوف من وجود خطط خفية وراء انسحاب النظام السوري، في حين يبقى المشهد غامضًا إلى أن تتضح معالمه عند الوصول إلى المواقع الاستراتيجية للنظام في حلب”.
وقال العبد الله في منشور نشره على حسابه في منصة “إكس”، إن “العمليات العسكرية التي تجري في حلب في الوقت الحالي تتميز بخصائص مختلفة عن السابق، سواء من حيث التنظيم أو التسليح، فقد تم إنشاء غرفة عمليات موحدة، ما أدى إلى تحقيق مستوى عالٍ من التنسيق بين الأطراف المشاركة، وكذلك، شهدت العمليات استخدام أسلحة جديدة لأول مرة، بما في ذلك الطائرات المسيّرة المفخخة التي تم تطويرها محليًا”.
وأضاف “هناك حالة من التفاؤل الكبير بين جمهور الثورة، وهو أمر مبرر؛ فكل متر يتم تحريره يعني عودة المهجّرين والمشرّدين إلى منازلهم وأراضيهم، بالإضافة إلى طرد المحتل والمغتصب، ومع ذلك، تساور البعض مخاوف من أن تكون الأحداث الحالية مجرد فخ يتبعه تسليم مناطق جديدة، خاصة في ظل التراجع السريع لقوات النظام السوري، ما يثير الشكوك حول وجود خطة مدبرة”.
وختم قائلا “سيصبح الوضع أكثر وضوحًا عندما تصل قوات المعارضة إلى أطراف مدينة حلب، حيث تتواجد مواقع استراتيجية للنظام السوري، مثل الكليات العسكرية والمخابرات الجوية وغيرها من المنشآت العسكرية الكبرى”.
وفي سياق التطورات الدولية المتعلقة بتطورات تحرير مدينة حلب، نقل موقع “أكسيوس” الأمريكي عن مسؤول أمريكي قوله، إن “هجوم فصائل المعارضة السورية في حلب فاجأ إدارة بايدن”، مضيفاً أن “الولايات المتحدة لم تكن متورطة في هجوم المعارضة السورية على حلب”.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية التركية أونجو كجليتولي إن “الهجمات الأخيرة للنظام السوري على إدلب وصلت إلى مستوى يضر بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في اجتماعات أستانا”.
من جهتها، اتهمت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا “قوى الغرب، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا أنها تنشر الفوضى في سوريا عبر جماعات مسلحة وإرهابية”.
وفي تصريحات نقلتها وكالة أنباء النظام السوري “سانا”، قالت زاخاروفا إن “قوى الغرب الكبرى مستمرة في ممارساتها وهجماتها العدائية ضد سوريا”، مؤكدة على موقف روسيا الداعم للنظام السوري.
من ناحية أخرى، قال المحلل الاستراتيجي، أحمد الحمادي لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “ما جرى خلال اليوميين الماضيين ومازال مستمرا يشكل تسونامي ثوري عنيف ضرب وكسح النظام والقوات الداعمة له في المناطق التي يفرض سيطرته عليها في حلب وريفها وريف إدلب، وكل ذلك بفترة قصيرة جدا وبتسارع كبير وامتد لباقي مناطق سيطرته، وإن ما حدث يدل دلالة ناصعة على أن النظام متهالك وهش ولا يستطيع الاستمرار ويشكل استمرار سيطرته عبئا ثقيلا على داعميه والدول التي تقف وراءه وتتعامل معه، والذي لولا دعمه لما قدر له الاستمرار حتى الآن ولأصبح من لطخات التاريخ المأساوية السوداء التي مرت على سورية والمنطقة”.
وأضاف أن “عملية ردع العدوان كشفت زيف كل ما يروجه النظام عن نفسه ومن خلال أبواقه وداعميه، ولذا أرى بأن دول المنطقة ودول العالم والأطراف الدولية الفاعلة ستقف مليا في توجهاتها السياسية الخاصة في المنطقة، وأدعوها وأناشدها باسم كل سوري سواءا كان ثوريا أو معارضا أو مواليا أن تركز مساعيها وجهودها السياسية لخلاص سورية من هذا النظام الذي جر علينا الكوارث والويلات والمجازر، وعلى الدول التي خاضت في المخاض السوري أن تدرك ذلك جيدا وتسعى لتلافيه”.
وتابع الحمادي أن “ما جرى من هروب و تسليم واستسلام من قبل قوى النظام في عملية ردع العدوان هو دليل على عدم إيمان هؤلاء وأقصد عناصر النظام بالقتال وخوضه والتضحية، فلا أهداف وطنية سامية لقتالهم ومن أجل من سيقاتلون، لذا رأينا التسارع الكبير في عملية تحرير المدن والبلدات والقرى من قبل أبنائها الذين شردهم وهجرهم النظام”.
وزاد الحمادي قائلا “لو كان القتال لعبة شطرنج لما انتهت كما ينتهي وينجز تحرير المدن والبلدات والقرى بدءً من حلب الغربي وصولا إلى حلب وريف حلب الشمالي وأرياف إدلب، والتي قد تمتد إلى ريف حماة وغيرها من الاراضي السورية الواقعة تحت سيطرة النظام، وهنا أدعو تركيا وقيادتها باسم كل سوري ألا تضغط لوقف العمل الثوري ضد النظام وتترك المجال لنا لنحرر بلدنا من هذا النظام الذي لا يعرف لغة التفاوض وتخادم المصالح المشتركة ولا يفي بها، ولا يعرف سوى لغة القتل والعدوان والخراب والدمار”.
وتعليقاً على تلك التطورات، أكد الائتلاف الوطني السوري في بيان، أنه “لا بدّ من إيصال سوريا إلى بر الأمان وحمايتها من المشاريع التقسيمية والانفصالية”، مضيفاً “نريد عودة سوريا دولة مستقلة ذات سيادة غير منقوصة على كامل أراضيها، دولة ذات نظام حكم قائم على أسس الديمقراطية والعدالة والحرية، وسيادة القانون الذي يضمن حقوق المواطنين بمكوناتهم كافة ويكفل حرياتهم”.