تقاريرهام

محللون يتساءلون: لماذا لا تخوض الميليشيات الإيرانية في سوريا معركة تحرير الجولان؟ (تقرير)

منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، برز الدور الواضح للميليشيات الإيرانية في دعم رئيس النظام السوري بشار الأسد، حيث لعبت دورًا في إبقاء الأسد على رأس السلطة عبر سلسلة من الانتهاكات المروّعة بحق الشعب السوري.

وتضمنت هذه الانتهاكات: الإبادة الجماعية والتهجير القسري للسكان، ما أسهم في تدمير النسيج الاجتماعي السوري، حسب كثير من التقارير الحقوقية لمنظمات إقليمية ودولية.

لكن المفارقة تكمن في أن هذه الميليشيات، التي ترفع شعار المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وجهت بنادقها في الداخل السوري، في حين بقيت الجولان، المحتلة منذ عام 1967، هادئة دون أي مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، حسب مراقبين.

ورغم الدعم المالي والعسكري الكبير الذي تلقته هذه الميليشيات، إلا أنها فشلت في مواجهة فصائل الجيش السوري الحر، الذي تمكن من تحرير أكثر من 70% من الأراضي السورية حتى عام 2015، وفي ذلك العام، اضطرت روسيا للتدخل عسكريًا لإنقاذ النظام، بعد عجز الميليشيات الإيرانية عن تحقيق الانتصار الحاسم.

ويبقى السؤال الملح بالتزامن مع تقدم الجيش الوطني السوري وتحرير مدينة حلب من النظام السوري والميليشيات الإيرانية المساندة، تحاول تلك الميليشيات استجلاب المزيد من التعزيزات لقتال الجيش الوطني السوري في مدينة حلب أو غيرها من المحاور التي تقدم فيها مقاتلو الجيش الوطني السوري شمالي سوريا: لماذا لا تخوض الميليشيات الإيرانية معركة تحرير الجولان بدلا من تحرير حلب؟

الكاتب والمحلل السياسي أحمد العربي، قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “هذا السؤال يعني افتراض أن الادعاء الإيراني وأدواته كلهم مجرد أدوات لخدمة إيران ومحاولة تمددها الامبراطوري، فهي لم تواجه الصهاينة إلا بعد 7 أكتوبر من السنة الماضية تحت دعوى دعم أهلنا في غزة”.

وأضاف “حقيقة لم تقم إيران ولا النظام السوري جديا بمحاربة الكيان الصهيوني عبر الجولان، خاصة بعد انكماش إيران وتلاشي أدواتها، وبالتالي لن يحصل أي هجوم ولا حتى تحرش بالصهاينة في الجولان السوري المحتل”.

ويرى محللون أن السبب يكمن في التوازنات الإقليمية والدولية، فمنذ حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، تجنبت سوريا أي مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، واكتفت بسياسة “الاحتفاظ بحق الرد”، وبقيت جبهة الجولان هادئة طوال العقود الماضية.

أما روسيا، الحليف الآخر للنظام السوري، فلديها تفاهمات مع الاحتلال الإسرائيلي تهدف إلى تحييد سوريا عن أي مواجهة مباشرة، وبالتالي فإن هذه التفاهمات تضمنت إبقاء سوريا المنهكة اقتصاديًا وعسكريًا بعيدة عن أي مغامرة عسكرية مع الاحتلال الإسرائيلي، ما يعني أن إيران لا تستطيع التصرف بشكل مستقل في هذا السياق.

ووسط كل ذلك، فإن دور الميليشيات الإيرانية في سوريا لم يكن لتحرير الأرض أو مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، بل لخدمة أجندتها الإقليمية والحفاظ على نفوذها في المنطقة.

صلاح أبو شريف، الأمين العام للجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية والناطق الرسمي باسم المجلس الوطني لقوى الثورة الأحوازية، قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “من المؤكد أن إيران ليس هدفها في سوريا وحتى في لبنان نصرة الشعوب العربية ودولها لتحرير أراضيها فهي نفسها أي إيران تحتل الأحواز والجزر العربية وتهيمن على القرار السيادي في العراق عبر مليشياتها”.

وأضاف أبو شريف أن “امتناع الميليشيات الإيرانية عن خوض معركة تحرير الجولان يكشف زيف الادعاءات الإيرانية أنها تدعم ما تسمى بالمقاومة وتسعى لتحرير الأراضي العربية المحتلة، فالنظام الإيراني والميليشيات التي يديرها في سوريا، لم يكن في أي وقت مهتمًا بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي بشكل فعلي، لأن ذلك لا يخدم مشروعه”.

ورأى أن “النظام الإيراني يستخدم قضية تحرير فلسطين والجولان وما يعرف بدعم محور المقاومة كذريعة و شماعة لتبرير تدخلاته العسكرية في الدول العربية، لكنه في الواقع يعمل على تقويض استقرار الدول العربية والمنطقة برمتها، مثل سوريا والعراق ولبنان واليمن، وتعزيز نفوذه على حساب سيادة هذه الدول وشعوبها”.

وأكد على أن “تحرير الجولان ليس جزءًا من أولويات النظام الإيراني، لأن هذا النظام يركز على بناء ممر نفوذ استراتيجي يمتد من طهران إلى البحر المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان، بهدف الهيمنة الإقليمية وفرض نفوذه على حساب الدول العربية و دماء شعوبها”.

ولفت أبو شريف إلى أن “الميليشيات الإيرانية في سوريا موجهة بشكل أساسي ضد الشعب السوري وثورته الشرعية، حيث تشارك في دعم نظام بشار الأسد الديكتاتوري الذي فقد شرعيته بعد أن أطلق العنان للقصف والدمار ضد شعبه، كما أن هذه الميليشيات متورطة في جرائم ضد الإنسانية، بما فيها تهجير السكان، وتدمير المدن، ونشر الفوضى الطائفية و القتل على أساس طائفي”.

وبيّن أن “إيران تدرك جيدًا أن مواجهة الاحتلال الإسرائيلي في الجولان قد تكلفها كثيرًا من الناحية العسكرية والسياسية، لذا فهي تفضل الحفاظ على الوضع القائم في الجولان وعدم التصعيد مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث إن هناك تخادم غير معلن لجعل سورية دولة ضعيفة بحاجة إلى الدولة الإيرانية لحماية نظامها وعدم قدرتها على استرجاع أراضيها المحتلة بما فيها الجولان، وهذا التخادم وإن كان غير منسق إلا أن بقاء سوريا ضعيفة يخدم إيران والاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما ضمن بقاء النظام السوري الذي يحمي المصالح الإيرانية في المنطقة ولا يهدد الأمن الإسرائيلي منذ عقود خاصة بعد 2011”.

وبينما تستمر هذه الميليشيات في حربها ضد الشعب السوري، يبقى تحرير الجولان شعارًا يُرفع دون أي خطوات عملية لتحقيقه، في مشهد يعكس الأولويات الحقيقية لإيران ونظام الأسد في سوريا، حسب خبراء ومحللين.

وفي هذا الجانب قال أبو شريف، إن “إيران لا تهتم بتحرير الجولان لأنها تستغل الصراعات الإقليمية لفرض أجنداتها الطائفية وتوسيع نفوذها الاستعماري على حساب الشعوب العربية واستقرارها، وتتهرب من أزماتها الداخلية خاصة أزمتها مع الشعوب غير الفارسية المطالبة بحقها في تقرير المصير مثل شعب أتراك أذربيجان الجنوبية التي يزيد عدد نفوسه الـ 30 مليون نسمة في إيران، وكذلك الشعب العربي الأحوازي الذي يملك الثروات النفطية الكبيرة والموقع الاستراتيجي على شاطئ الخليج العربي من شط العرب حتى مضيق هرمز”.

وختم قائلا، إن “تحرير الجولان هي مهمة وطنية سورية وعربية وفقا للشرعية  والاتفاقيات الدولية وبحاجة إلى حكومة وطنية مستقلة تحمي المصالح الوطنية السورية، وهو ما تسعى إيران داىماً إلى منعه من خلال سياساتها التخريبية عبر زجها للمليشيات الطائفية في سوريا وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة عموماً”.

زر الذهاب إلى الأعلى