مدونات TRمميز

من على منبر أتاتورك… الذكرى الثانية لإفشال الانقلاب

لسنا في هذه الأسطر بمعرض الحديث عن مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، الذي استطاع أن يحافظ على شيء من تركة الخلافة الإسلامية العثمانية التي أسقِطت قبل نحو 100 عام، ولكننا بمعرض الحديث عن مؤسس تركيا الحديثة رجب طيب أردوغان الذي حاول نفس من أسقط الدولة العثمانية أن يُسقطه ويسقط مشروعه في 15 تموز/يوليو 2016.

نحيي اليوم في تركيا، والعالم الإسلامي والعالم الحر، الذكرى الثانية لجريمة المحاولة الانقلابية الفاشلة التي نفذتها منظمة “فتح الله غولن” مدعومة من قوى خارجية عديدة، ذكرى ليست كالذكرى الأولى العام الماضي، فتركيا اليوم دخلت فعليا تحت عنوان “تركيا الحديثة” بقلم الشعب التركي وإمضاء المؤسس الجديد رجب طيب أردوغان.

خطاب أردوغان من على منبر أتاتورك في المبنى القديم للبرلمان التركي بالعاصمة أنقرة، لم يكن خطابا عاديا، لا في مكانه الجغرافي ولا في توقيته الزمني، فمن على هذا المنبر تم الإعلان عن أولى خطوات تأسيس الجمهورية التركية قبل نحو 100 عام، ومن على هذا المنبر تم الإعلان عن الكثير من القرارات التي ساهمت في الحفاظ على وحدة أراضي تركيا، ومن على هذا المنبر تم الإعلان عن العديد من الخطوات التي أنقذت الدولة عند كثير من المنعطفات التاريخية.

واليوم مازال هذا المنبر يحفاظ على تصميمه القديم وقيمته المعنوية العظيمة، ولكن برائحة جديدة ورؤية حديثة، لا تتنكر لماضيها وتنظر لحاضرها نظرة حكمة وعلم ودراية، وتتطلع لمستقبلها بمنطق وتخطيط وهدوء.

بعد أتاتورك لم يعتل هذا المنبر شخص، حتى أتت الذكرى السنوية الثانية لإفشال المحاولة الانقلابية الدموية، واعتلاه رجب طيب أردوغان بعد فوز كاسح حققه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 حزيران/يونيو الماضي، معلنا تأسيس “تركيا الحديثة”.

من على هذا المنبر، ووفاء لدماء شهداء 15 تموز 2016، يعلن أردوغان الإصرار التام والعمل الدؤوب كي تحقق “تركيا الحديثة” أهدافها الكبرى لتكون ضمن أقوى 10 اقتصاديات في العالم مع حلول عام 2023.

وقف أردوغان على هذا المنبر، في هذه الذكرى، وبعد انتصار تحول تركيا إلى النظام الرئاسي، تؤكد أن هذا الزعيم لا يقل أهمية بالنسبة لتركيا وشعبها عن ما يمثله مؤسس الجمهورية بالنسبة للجمهورية والشعب، زعيم ينافس اليوم كبريات رجال التاريخ عله يعيد شيء من ذاك المجد الضائع، يعيده بالعمل والسعي والحكمة والرقي الفكري لا بالشعارات والتطبيل والتزمير ونبذ الآخر ودوسه وسحقه.

في هذه الذكرى العظيمة.. الذكرى التي تخلد بطولات هائلة لا تقل عن بطولات من نقرأ سيرهم في كتب التاريخ، يجدد الشعب التركي مسيرته نحو 2023، رغم كل الصعوبات ورغم كل الحروب التي تشن اليوم على تركيا، ورغم حقد الحاقدين وظلم الظالمين ومكر الماكرين.

وبعد عامين على الملحمة الكبرى التي سطرها الشعب التركي ومعه الشعوب الإسلامية الحرة، الدعوة مفتوحة اليوم لكل ذي عقل وفهم، ليقرأ ويتعمق بحقيقة تلك الملحمة عل الميدان يمتلئ من جديد بالأبطال الحقيقيين بدل أن تكون تركيا لوحدها في ساحات البناء والتطور والإنماء والقوة والعدالة والتنمية.

ليس المطلوب اليوم أن نلعن فلانا أو نشتمه أو ننصب أنفسنا محاسبين ندخل إلى الجنة من نشاء وإلى النار من نشاء، ليس المطلوب البكاء على الأطلال والنواح والتحسر على الماضي، بل المطلوب اليوم فكر واع يدرك حقيقة الحكمة وحقيقة الفهم الإسلامي، المطلوب اليوم الاستفادة من إيجابيات الماضي وترك سلبياته كي يُبنى الحاضر والمستقبل على أسس إيجابية متينة.

ومن على منبر أتاتورك، وفي الذكرى الثانية لإفشال الانقلاب نقول للجميع: ها قد عدنا من جديد نحمل إرث الماضي القديم الذي حافظ على وحدة تركيا، ونحمل إرث الماضي الأقدم الذي وحّد الأمة، ولكن هذه المرة بنفس جديد ونكهة أجدد ونظرة أوسع… وما توفيقي إلا بالله.

زر الذهاب إلى الأعلى