تفيد الأخبار الآتية من داخل البيت الداخلي لدولة الاحتلال الإسرائيلي، أن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” نجحت في إحداث أزمة ثقة بين الإسرائيليين والمنظومة الأمنية الإسرائيلية، عبر سلسلة من العمليات العسكرية والتكتيكات النفسية المُدروسة.
كما نجحت “حماس” وبالأخص عقب عملية “طوفان الأقصى”، بتحفيز شعور القلق وعدم اليقين داخل الجمهور الإسرائيلي تجاه فعالية وكفاءة جيشهم وأجهزتهم الأمنية، حسب محللين.
ونظرا للعمليات العسكرية المتتالية لـ”حماس”، فقد ساهم ذلك في زيادة المخاوف الأمنية بين الإسرائيليين، ما أثار تساؤلات عندهم حول قدرة مؤسساتهم الأمنية على حمايتهم، إضافة إلى إحداث حالة من الارتباك والشك في النظام الأمني الإسرائيلي.
الباحث في المجال العسكري والسياسي رشيد الحوراني، قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “منذ انتهاء عملية (طوفان الأقصى) ووقوع الأسرى الإسرائيلين بيد (حماس)، التي قادت حرباً نفسية على مستويين: الأول توجهت بالحرب إلى الشريحة الأوسع وهم المدنيون، حيث طمأنتهم على سلامة أسراهم، وعند التوصل إلى صفقة لإطلاق عدد منهم تركت الأسرى يتحدثون عن التعامل الحسن لعناصر (القسّام) معهم، وهو الأمر الذي شكل عامل ضغط على نتنياهو”.
وأضاف الحوراني أن “الاتجاه الثاني يتعلق بالعمل العسكري الميداني وتصريحات الناطق العسكري باسم (القسّام) أبو عبيدة والتي يعري فيها ادعاءات جيش الاحتلال الإسرائيلي بتحقيق إنجازات، وهذا المستوى نجحت فيه (حماس) أيضا ودفعت أكبر الصحف الإسرائيلية للنشر على أولى صفحاتها أن ادعاءات إسرائيل بالنصر مجرد أوهام”.
وإلى إلى جانب العمليات العسكرية، استخدمت “حماس” تكتيكات الحرب النفسية والإعلامية بمهارة لفضح المؤسسات الأمنية الإسرائيلية عند الرأي العام الإسرائيلي، وهذه الجهود الدعائية والإعلامية تعززت بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى تأثير كبير لناحية زيادة عدم الثقة بين الإسرائيليين ومؤسساتهم الأمنية، حسب مراقبين.
كما أن هذه الجهود المُنظمة والمُندرجة ضمن استراتيجية “حماس”، نجحت في خلق حالة من عدم الاستقرار والشك داخل المجتمع الإسرائيلي، ما يبرز التحديات التي تواجه المنظومة الأمنية وضرورة إعادة بناء الثقة وتصحيح الصورة العامة لتلك المؤسسات الحيوية.
الكاتب الصحفي عدنان أبو شقرة، قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “بينما نراقب الحرب الإعلامية التي خاضتها (حماس) ضد الكيان الصهيوني والإسرائيليين، نلاحظ هذا الأمر: (حماس) تعاملت مع قضية الأسرى بذكاء وحنكة، واعتبرت أن الحكومة الصهيونية هي المسؤولة عن إطلاق سراحهم، خاصة أن هذه الحكومة وضعت منذ البداية ثلاثة أهداف رئيسية، وهي القضاء على (حماس)، واستعادة الأسرى، وتغيير الوضع السياسي في غزة”.
وتابع أبو شقرة “إذا نظرنا إلى هذه الأهداف الثلاثة، نجد أن (حماس) نجحت في فرض شروطها وأثبتت أنها هي الجهة الموثوقة.. فنحن نسمع من أسامة حمدان أو أبو عبيدة أنهم لن يتفاوضوا إلا بشروط محددة، وبعد فترة نجد الكيان الصهيوني يقبل بهذه الشروط بعد أن كان يرفض التفاوض مع (الإرهابيين) على حد تعبيره”.
وأضاف “وهذا أعطى مصداقية للمقاومة أمام المجتمع الصهيوني، الذي كان يعتقد في البداية أن الأهداف التي حددتها الحكومة ممكنة، ولكنه اكتشف بعد ذلك أنها مستحيلة.. كما تحدثت القيادة الصهيونية عن سوء المعاملة والاغتصاب الذي تعرض له الأسرى، ولكن عندما خرج الأسرى الصهاينة من غزة، تحدثوا عن حسن أخلاق (حماس) والشباب الذين كانوا معهم، وقال أحدهم إن (قوات حماس كانوا يضحون بأنفسهم من أجل إنقاذ حياة الأسرى)، وهذا أظهر أن المقاومة تعاملت بإنسانية تامة معهم”.
وزاد قائلا “أتت النقطة الأخيرة عندما قتل الجنود الإسرائيليون ثلاثة أسرى إسرائيليين، ما أكد أن نتنياهو يسعى فقط لمصلحته الشخصية، وأنه لا يبالي بالأسرى أو الجنود الصهاينة إذا ماتوا بكثرة، وهذا ما لاحظناه، وكانت الحرب الإعلامية”.
وتابع أبو شقرة “نحن نعلم أن الإسرائيليين يشاهدون فقط التلفزيون الإسرائيلي، وهناك رقيب إعلامي يحدد ما يعرض، ولكن حتى من الشظايا الإعلامية التي وصلتهم من المقاومة، وجدوا أن المقاومة هي الأصدق في هذه القضية، ولذلك شددت المقاومة أن الحل عند الجانب الإسرائيلي، وأن الإسرائيليين إذا أرادوا استعادة أبنائهم، فعليهم أن يعيدوا أبناءنا الأسرى إلينا، سواء كانوا معتقلين بمحكوميات عالية أو منخفضة”.
الجدير ذكره، أن مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية ذكرت في تقرير لها، قبل أيام، أن “أهم تحدي يواجه إسرائيل هو إعادة بناء الثقة بين المواطنين والمنظومة الأمنية التي تأثرت بشكل كبير جراء (زلزال) عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر.. فقد نجحت (حماس) ببراعة في خلق تصدع كبير في العلاقة بين الإسرائيليين والمنظومة الأمنية”.
وأشارت إلى أن “تداعيات (طوفان الأقصى) خلفت ألمًا وغضبًا في إسرائيل مع فقدان الثقة بالمنظومة الأمنية بعد (زلزال 7 أكتوبر)”، لافتة إلى أن “الشكوك تسيطر على الإسرائيليين تجاه مؤسساتهم الأمنية، وهنا لا بد من الإشارة لنجاح (حماس) بتقويض ثقة الإسرائيليين في حكومتهم”.
وأكدت أن “استعادة الثقة في الحكومة والمنظومة الأمنية تشكل تحديًا كبيرًا لإسرائيل، في ظل صعوبة تحقيق أهدافها بشكل كامل في غزة، ما يجعل النجاح الكامل في هذه المهمة غير واقعي”.
ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، يواصل الاحتلال الإسرائيلي شن عدوان مكثفة على المدنيين في قطاع غزة، مخلفا آلاف الشهداء والجرحى، إلى جانب تعمده قطع إمدادات المياه والكهرباء والغذاء والأدوية.
وردا على اعتداءات إسرائيلية يومية بحق الشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة، أطلقت “حماس” وفصائل فلسطينية أخرى في غزة عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي حيث اقتحمت في بدايتها مستوطنات ومواقع عسكرية للاحتلال الإسرائيلي في غلاف قطاع غزة محققة نتائج ملموسة.