![](https://tr.agency/wp-content/uploads/2025/02/Screen-Shot-2025-02-07-at-21.52.14.jpg)
في ظل التحديات السياسية والاقتصادية المتصاعدة التي يواجهها لبنان، ووسط تداعيات العدوان الإسرائيلي الأخير وما خلفه من دمار كبير، تأتي زيارة وزير الخارجية القطري إلى العاصمة اللبنانية بيروت كخطوة محورية تحمل في طياتها رسائل دعم عربي واضح للبنان.
وفي هذا السياق، أكد علي أبو ياسين، رئيس المكتب السياسي للجماعة الاسلامية في لبنان، في لقاء خاص مع “وكالة أنباء تركيا”، على الدور التاريخي الذي لعبته قطر في تعزيز استقرار لبنان، مشيرًا إلى جهودها الحثيثة في إطفاء فتيل الأزمات اللبنانية وإعادة بناء ما دُمِّر. الزيارة.
وقال أبو ياسين “بدايةً، لا بد من توجيه الشكر إلى دولة قطر الشقيقة، شقيقة لبنان الحريصة على مصلحة لبنان ووحدته وتطوره ونهوضه واستقراره. هذا الدور القطري كان واضحاً ومنظوراً في السنوات والعقود السابقة، حيث قامت قطر بدور مهم وريادي على الساحة اللبنانية”.
وأضاف “لا يمكننا أن ننسى ما قامت به قطر من جهود لإعادة الإعمار بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، ولا دورها المحوري في اتفاق الدوحة الذي جاء بعد الأزمة السياسية التي عصفت بلبنان إثر الحرب، وبعد الأحداث التي شهدتها العاصمة بيروت في السابع من أيار 2008، والتي كادت أن تؤدي إلى فتنة مذهبية وطائفية وتتسبب بحالة اقتتال داخلي، وهنا برزت القيادة القطرية، إلى جانب الشعب والحكومة القطريين، في جمع اللبنانيين على كلمة سواء، مما أدى إلى التوصل لاتفاق أفضى إلى انتخاب رئيس للجمهورية بعد شغور دام لأشهر طويلة، كما ساهم في إجراء الانتخابات النيابية في العام التالي، واستقامة الحياة السياسية اللبنانية”.
وتابع أن “الدور القطري ليس جديداً في الوقوف إلى جانب لبنان، بل هو دور مشهود له حضوره التاريخي. وفيما يتعلق باتفاقية ترسيم الحدود البحرية، رغم الملاحظات التي قد تكون لدى البعض عليها، فقد كان لشركة (قطر للطاقة) دور في التنقيب عن النفط في البلوك رقم 9 وفي حقوق لبنان القانونية. ونتمنى أن يستمر هذا الدور القطري الإيجابي في دعم لبنان مستقبلاً”.
وزاد “بالإضافة إلى ذلك، هذا الكلام ليس تبجيلًا أو مدحًا أو إطراءً، وليس محاولة للقفز عن الحقيقة، لقد كان للدور القطري أثر جامع في لبنان، حيث تميز بالتواصل مع كافة الشرائح اللبنانية دون انحياز لفريق على حساب فريق آخر أو تحريض فريق ضد آخر، وكان هذا الدور دائمًا يصب في مصلحة استقرار البلد وتعزيز مصالحه العامة، وليس لتقوية طرف على حساب طرف آخر”.
ورأى أنه “لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننسى الجهود القطرية المبذولة خلال فترة (الخماسية) التي هدفت إلى تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، فقد كان الوسيط القطري يتردد بشكل مستمر ومكوك إلى لبنان، حيث قام بلقاء الشخصيات والفعاليات والقوى السياسية المختلفة، ساعيًا إلى تقريب وجهات النظر بما يؤدي إلى تحقيق التوافق الوطني. وقد تكللت هذه الجهود بتحقيق الهدف المنشود والمتمثل في انتخاب رئيس للجمهورية”.
وتكتسب زيارة وزير الخارجية القطري إلى لبنان أهمية كبرى في ظل الظروف الحالية التي يمر بها البلد، خاصة بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتسمية رئيس للحكومة اللبنانية، وهذه الزيارة تأتي في أعقاب حرب مدمرة شنها العدو الصهيوني على لبنان خلال عدوان أيلول، والتي خلفت دماراً هائلاً وعدد كبير من الشهداء والجرحى في مختلف المناطق اللبنانية، لا سيما في ضاحية بيروت الجنوبية، الجنوب اللبناني، والبقاع، حسب أبو ياسين.
وتابع “على المستوى السياسي، تحمل هذه الزيارة رسالة واضحة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف اللبنانية المختلفة، بما قد يساهم في تسريع تشكيل الحكومة الجديدة في القريب العاجل، كما يأتي هذا التحرك في وقت لا يزال فيه العدو الصهيوني وبعض الوزراء في حكومة الكيان غير راضين عن عملية وقف إطلاق النار في لبنان، حيث يواصلون محاولاتهم لتأجيج الوضع وإعادة إشعال فتيل الحرب، وهنا يبرز الدور القطري كوسيط مهم وفاعل، استناداً إلى التجارب السابقة التي قادتها قطر بنجاح على الساحة الفلسطينية، حيث أدت جهودها إلى تحقيق هدنة في قطاع غزة أنهت حرباً استمرت لأكثر من 15 شهراً، ونأمل أن يكون لهذا الدور القطري أثر إيجابي مشابه في تحقيق وقف مستدام للعدوان على لبنان والشروع في مرحلة إعادة الإعمار”.
واعتبر أنه “في ظل الواقع الاقتصادي المرير الذي يعيشه لبنان منذ عام 2019، والذي تفاقم بسبب الأزمات المتتالية، تكتسب هذه الزيارة أيضاً أهمية كبيرة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، فالاقتصاد اللبناني يعاني من انهيار شامل وهشاشة غير مسبوقة، مما يجعل الحاجة ملحة لإعادة بناء العلاقات مع العالم العربي، الذي يعتبر العمق الاستراتيجي والحيوي للبنان”.
وقال أيضا “نحن في الجماعة الإسلامية، وفي إطار رؤيتنا السياسية، نؤكد دائماً أن العمق العربي للبنان هو جزء لا يتجزأ من مستقبله واستقراره، ولذلك، فإن مثل هذه الزيارات تمثل فرصة مهمة لإعادة تفعيل الروابط التي انقطعت في السنوات الماضية بين لبنان وأشقائه العرب”.
وأكد على أن “زيارة وزير الخارجية القطري اليوم يمكن أن تكون بادرة خير وفاتحة خير لإعادة العلاقات اللبنانية العربية إلى مسارها الصحيح والسليم، وعودة العرب لاحتضان أشقائهم اللبنانيين بكل ما يعنيه ذلك من دعم سياسي واقتصادي وإنساني”.
وأضاف “نرى في هذه الزيارة خطوة محورية نحو تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي في لبنان، ونأمل أن تكون بداية لمرحلة جديدة من التعاون البنّاء بين لبنان والعالم العربي، بما يسهم في إعادة بناء ما دُمِّر وتحقيق النهوض المنشود للشعب اللبناني”.
أما فيما يخص أهداف الزيارة، أوضح قائلا “إننا نعيش في منطقة تشهد واقعًا جديدًا، وربما يكون هذا الواقع المتغير هو الأبرز والأهم منذ عقود على مستوى المنطقة، وهذا التغيير يتمثل بسقوط النظام الطاغية، النظام المجرم الذي تسبب بكوارث كبيرة على مستوى المنطقة اللبنانية بالتحديد، سقط هذا النظام، ونحن الآن في مرحلة إعادة إنتاج السلطة في سوريا بشكل جديد، وسوريا اليوم تخرج من غبار الظلم والديكتاتورية التي هيمنت عليها لعقود، والتي بطشت بشعبها وتسببت بكثير من المآسي والظلم والدمار”.
ولفت إلى أن “هذا النظام كان السبب في انهيار البلاد وتخلفها وتهجير أكثر من نصف الشعب السوري، حيث أصبحوا لاجئين ونازحين بسبب أداء هذا النظام، والتغيير السوري هو متغير مهم جدًا، والدور القطري في سوريا واضح أنه دور فعال.، وقد شهدنا الأسبوع الماضي زيارة الأمير القطري إلى دمشق، وهذه الزيارة كانت مهمة جدًا وتعتبر من أهم الأحداث في الأسابيع الماضية على مستوى المنطقة، وهذه الزيارة ستؤسس لواقع جديد يساهم في نهوض المنطقة بأسرها، لأن لبنان هو جزء أساسي من هذه المنطقة، وليس مجرد حديقة خلفية، بل هو حديقة أمامية وأساسية في هذا المشرق العربي، وموقع لبنان الجيوسياسي على شرق المتوسط وعلى حدود فلسطين المحتلة يكسبه أهمية استراتيجية كبيرة، ولذلك، هدف الزيارة يتمحور حول إعادة إنتاج المنطقة بحلة جديدة، بواقع جديد، وباهتمام عربي مشترك”.
واعتبر أيضا أن “أي زيارة في بداية عهد جديد تمثل دعمًا، سواء كان ذلك بشكل معلن أو مضمر، لانطلاقة قوية لهذا العهد. ونتمنى أن تكون هذه الانطلاقة ضمن أربع مسارات مهمة جدًا: الأول محاربة الفساد، إذ يجب محاربة كل أشكال الفساد وعدم السماح للفاسدين بأن يكونوا متحكمين أو متصرفين بالهبات أو القروض التي قد تمنح للبنان. إذا كانت هناك هبات أو قروض، فيجب محاربة هؤلاء الفاسدين ومحاصرتهم، بل ومحاكمتهم وتقديمهم إلى العدالة”.
وتابع “المسار الثاني هو الاقتصاد اللبناني المترنح والمتهالك والذي يحتاج إلى إعادة بناء المؤسسات التي كادت أن تتفكك في وقت من الأوقات، ويجب أن تعود هذه المؤسسات لتقدم خدماتها بالشكل الصحيح والفعال، في حين أن المسار الثالث وهو المسار السياسي، حيث أن دعم استكمال تطبيق اتفاق الطائف، الذي تم تعطيل بعض بنوده بسبب التدخلات والأداء غير المسؤول، وخاصة من قبل النظام السوري الذي طبق الاتفاق بشكل مزاجي واستنسابي بما يتناسب مع مصالحه ومآربه، أما المسار الرابع فهو تقوية لبنان ومناعته، إذ يجب تعزيز قوة لبنان ومناعته في مواجهة العدو الصهيوني الذي يطمع بأرض لبنان ولا يزال جاثمًا على قسم من أراضيه”.
وختم قائلا “بهذه المسارات الأربعة، يمكن للبنان أن يبدأ صفحة جديدة نحو الاستقرار والازدهار”.