منوعاتهام

خطبة الجمعة في تركيا.. العمل في الإسلام عبادة ومسؤولية وأمانة

ركزت خطبة الجمعة في عموم مساجد تركيا، اليوم، على مكانة العمل في الإسلام باعتباره عبادة ومسؤولية، مبينة أن الكسب الحلال والمشروع ليس مجرد وسيلة لتلبية الحاجات المادية، بل هو تعبير عن الإيمان العميق والتقوى.

وأشارت الخطبة إلى أن ديننا العظيم قد وضع قواعد صارمة وأخلاقية تنظم علاقة العامل بصاحب العمل، وتضمن حقوق الجميع دون تمييز.

وأوضحت أيضًا كيف جعل الإسلام العمل رسالة إنسانية وهدفًا روحيًا، حيث لا يُقبل من المسلم أن يكتفي بالكسل أو التسول، بل عليه أن يسعى بجد وإخلاص لتحقيق الرزق الحلال، مع الالتزام بآداب العمل ومبادئ العدل والإنصاف.

وجاء فيها “في يوم من الأيام بينما كان نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم يتحدث مع أصحابه مر بجانبهم رجل قوي ومهيب تأثر بعض الصحابة بمظهر هذا الرجل فقالوا (يا رسول الله ليت هذا الرجل يستخدم قوته في سبيل الله، عندها قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان هذا الرجل يعمل من أجل كسب لقمة عيش أسرته وأولاده فهو في سبيل الله، وإذا كان يعمل لتلبية احتياجات والديه فهو في سبيل الله، وإذا كان يعمل للحفاظ على كرامته وشرفه فهو أيضا في سبيل الله)” .

وأضافت “يعتبر ديننا العظيم الإسلام أن الشخص يجب أن يسعى للحصول على رزقه ورزق أسرته بطرق حلال ومشروعة، مع الالتزام بأوامر الله ونواهيه، وقد قدس الله كد الإنسان وعرق جبينه كما حرم الكسل والتسول وإضاعة الوقت والحياة، وقد قال الله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى)، مشيرا إلينا بأهمية العمل لنيل السعادة في الدنيا والآخرة”.

وتابعت “ديننا العظيم يولي أهمية كبيرة لكون الكسب حلالا كما يولي أهمية لكون طرق الكسب مشروعة، ولهذا السبب؛ هناك قواعد وآداب للعمل وفتح المحلات وكسب المال، إن بيع وشراء ما حرمه الله ليس مشروعا وبالتالي لا يمكن للمسلم أن ينتج أو يشتري أو يبيع أو يستخدم أو يساهم في استخدام الخمر الذي يزيل العقل والإرادة والذي يؤدي إلى حدوث الحوادث وارتكاب الجرائم، كما لا يمكنه أن يلعب القمار الذي يشتت الأسر ويخلق جروحا لا تندمل في الحياة الاجتماعية ولا يمكنه أن يساهم في لعبه أو تسهيله، ولا يمكنه أن يتعامل بالفائدة التي تذهب بركة المال والعمر والتي تعتبر عدوا للجهد وعرق الجبين فلا يمكنه أن يأخذها أو يعطيها أو يكون وسيطا فيها، كما لا يمكنه أن يمارس المحرمات مثل السوق السوداء والربا وتخزين السلع التي تخل بالسلام الاجتماعي ولا يمكنه أن يكسب من خلالها”.

وأشارت إلى أنه “وفقا للإسلام فإن العمل كعامل يحمل مجموعة من المسؤوليات. يجب على العامل أن يعتبر مكان عمله والمواد الموجودة فيه أمانة ويجب ألا يسبب لها أي ضرر، لا ينبغي للعامل استخدام أي من ممتلكات العمل لاحتياجاته الشخصية، ولا ينبغي له مشاركة المعلومات الخاصة مع الآخرين، يجب على العامل الالتزام بساعات العمل، وعدم التقصير في أداء عمله، يجب أن يكون محترما تجاه زملائه في العمل وأن يراعي حقوقهم كما لو كانت حقوقه وأن يتجنب بشدة التصرفات التي قد تضر بهم”.

وجاء في الخطبة أيضاً “لقد ألقى الإسلام العديد من الواجبات على صاحب العمل، ويجب على صاحب العمل أن يأخذ بعين الاعتبار تنبيه و توجيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقول (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)، وبالتالي فهو ملزم بدفع حق العامل كاملا وفي الوقت المناسب، لذلك لا يمكن لصاحب العمل أن يستغل العمال بأجور منخفضة أو أن يجعلهم يعملون في ظروف قاسية بسم العمالة الرخيصة، ولا يمكنه حرمانهم من حقوقهم الاجتماعية”.

وأضافت “كما أن صاحب العمل مسؤول عن ضمان تمتع العامل بحاجاته وحقوقه الإنسانية . ولهذا السبب، لا يمكن لصاحب العمل، في ظل الآية الكريمة التي تقول (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا)، أن يمنع العامل من أداء الصلوات الخمس وصلاة الجمعة في وقتها، أو من صيام رمضان، أو من ارتداء الحجاب الذي هو أمر الله وزينة المرأة المؤمنة، بالإضافة إلى ذلك لا يمكن لصاحب العمل تقييد ساعات الراحة للعامل أو إجازاته الأسبوعية أو السنوية”.

وأكدت أنه “يجب على صاحب العمل، وفقا لأمر ربنا العظيم (فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا) أن يحافظ على حقوق العمال وكرامتهم، لهذا السبب، لا يمكنه ممارسة ضغط منهجي على العامل، ولا يجوز له أن يتحدث أو يتصرف بطريقة تمس بكرامته وشرفه، ولا يمكنه أن يفصله عن العمل بشكل غير عادل، ولا أن يضر بعائلته وأطفاله”.

كما أن “صاحب العمل مسؤول عن ضمان سلامة مكان العمل، وعن توفير بيئة عمل صحية للعامل، ولا يجوز توظيف أي عامل في عمل يهدد حياته أو يؤثر سلبا على صحته العقلية أو الجسدية أو النفسية، كما أن تحذير النبي صلى الله عليه وسلم واضح جدا (لا ضرر ولا ضرار من ضار ضاره الله ومن شاق شق الله عليه)”.

ولفتت إلى أنه “ليس هناك تمييز في نظر الله بين العامل وصاحب العمل إن التمييز الحقيقي يكمن في الإيمان، التمييز يكون بالتقوى؛ أي الخوف من الله حقا، وتنفيذ أوامره، والابتعاد عن نواهيه، لذا، يجب أن نعتبر رضى ربنا، والعدل، والحق، والأمانة، وكسب القلوب فوق كل المكاسب، ولا ننسى أن السعادة والطمأنينة لا تكمن فقط في الاستهلاك والتخزين، بل في المشاركة والرضا”.

واختتمت الخطبة بحديث نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم “أيها الناس، اتقوا الله، وأجملوا في الطلب؛ فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم”.

زر الذهاب إلى الأعلى