مدونات TR

ترتيب الشمال

على خلفية تعرض أمن الطاقة للخطر وما رافقه من توتر شهدته منطقة الخليج العربي وارتداداته الدولية جعل من حدث الكارثة الإنسانية التي يعيشها المهجرين في الشمال السوري حدثا هامشيا بل ومغيبا على مساحة الاهتمام الدولي.

النكبة السورية والتغريبة السورية مستمرة في عامها التاسع مع استعصاء الحلول السياسية.

الإصرار الروسي على اخضاع المناطق بالسطوة العسكرية والعودة بها إلى حظيرة الأسد يزيد الهوة ويبعد فرص الحلول السياسية، ومع كل فيتو روسي في مجلس الأمن تتعمق القناعة لدى الشعب السوري بأن الروس لايمكن أن يكونوا مع الحلول العادلة للقضية السورية وهم من سحب جنيف نحو سوتشي وأستانة وهم من مييع القرارات الدولية (2254 و2118) التي تتحدث صراحة عن انتقال سياسي في سوريا وعن قضية المعتقلين وغير ذلك من القضايا ذات الصلة بالمعضلة السورية واختزال هذه القرارات بتشكيل لجنة دستورية، وكأن المشكلة في سوريا هي في الدستور وكلنا يعلم أن الدستور لم يكن يوماً مصان تحت سلطة نظام الاستبداد ((دستور جاهز للتعديل تحت الطلب)).

الانحياز الروسي الأعمى لصالح نظام الاجرام في دمشق جعل من قمة أنقرة التي جمعت الضامنين الثلاث (بوتين، روحاني، أردوغان) والتي انتظرها الشعب السوري بكثير من الاهتمام جعلها قمة بلا نتائج ، ورُحلت الملفات مشفوعة بتمترس الفرقاء كل خلف مطالبه إلى القمة الرباعية المزمع عقدها والتي يفترض أن تضم كل من (ألمانيا وفرنسا وروسيا وتركيا) وبقيَ الشعب السوري وحيداً يصارع أقداره الحمقاء وينتظر بارقة أمل تضع حد لمعاناته المزمنة، ونحن على أبواب فصل الشتاء ولايزال مئات الآلاف من المهجرين بلا مأوى كارثة إنسانية بكل معنى الكلمة ، ودعوة الجانب التركي إلى قيام المنطقة الآمنة إنما هي حل إسعافي طالما أن الاستعصاء مستمر.

الشعب السوري الذي لم يستسلم يوما رغم عجز المجتمع الدولي عن إيقاف معاناته خرج من جديد بمظاهراته التي ترفض سياسة الإخضاع الروسية ، وعبر المتظاهرون عن التمسك بصوت الحرية الذي انطلق منذ البداية ونددوا بالقصف الهمجي الإجرامي الذي لم ينقطع من قبل النظام وداعميه على المناطق السكنية في الشمال المحرر.

الروس الذين يتحدثون عن انتهاء الحرب في سوريا هم يتناقضون مع أنفسهم ، يتحدثون عن نهاية الحرب ويستمر القصف وكأن القصف العشوائي أداة للسلام.

يدرك بوتين أن خطاب النصر بعيد المنال وأن من يغوص في مستنقع الشمال السوري سيصعب عليه الخروج منه معافى ، فالمعركة صعبة على الروس والنظام دون أن تستند إلى ضمانات وحلول منصفة للشعب السوري للاعتبارات كافة :

سياسيا:

لن يكن مقبول دوليا استهداف منطقة فيها حوالي أربعة ملايين مدني وقد يجتازون الحدود وخصوصا أن تركيا حذرت الغرب من موجات هجرة كبيرة في حال حصلت مواجهات شمالا.

إنسانيا:

ستكون هناك كوارث إنسانية إذا ما نشبت الحرب في منطقة مكتظة بالسكان .

عسكريا:

معركة الشمال السوري ليست ككل المعارك فهنا نخبة من المقاتلين الذين تمرسوا القتال عبر سنين المواجهة وهم من رفض المصالحات بشروط النظام والروس وفضلوا استمرار القتال حتى تحقيق مطالب الشعب بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

وهنا المعقل الأخير للثورة فلا ادلب بعد ادلب اليوم وبالتالي فإن القتال سيكون حتى النهاية.

المقاتلون هنا يذودون عن أهلهم وذويهم وعن أنفسهم وهم يدركون أن ثمن الموت دفاعاً عن قضيتهم العادلة أقل كلفة من ثمن الاستسلام والموت بسلاح الانتقام المجرم.

وهنا طبيعة جغرافية تخدم القوات المدافعة وتقلل من فاعلية عمل الطيران إلى حد بعيد، بينما القوات المهاجمة جلها مرتزق وهو لا يملك إرادة القتال طالما يدرك بأنه معتدي.

ولو كان بمقدور النظام وداعميه اجتياح الشمال لما توانوا لحظة واحدة، وبالتالي سيبقى مصير الشمال السوري محكوم بالإرادة السياسية وبالحل السياسي وسيبقى عصي عن أي حل عسكري.

مصطفى فرحات

منشق عن النظام بتاريخ 9/7/2012 ـ أسس مكتب الإعلام في الجيش السوري الحر ـ رئيس تحرير مجلة بركان الثورة وعضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار ـ كاتب ومحلل سوري
زر الذهاب إلى الأعلى