مضت أشهرٌ على أمارات التحوّل في العلاقات التركية المصرية، وحتى الآن لم تقطع المفاوضات بين البلدين شوطاً طويلاً، وإن كانت لا تخلو من بوادر تفاهمات محتملة.
الكثير من نقاط الخلاف تقف عائقاً بين البلدين وبين الوصول إلى نتيجةٍ ترضي الطرفين، لكن هذ النقاط، كما يرى مراقبون، ليست وحدها العائق.
فالأجواء العامّة الإقليمية والدولية والمصالح التي تتغذى على خلافات الآخرين، تلعب هي أيضاً دوراً مؤثراً في مآلات المفاوضات.
في حديث مع “وكالة أنباء تركيا”، قال المحلل السياسيّ المصري ومدير وحدة المراسلين في جريدة المصري اليوم، محمد البحيري، إن “العلاقات المصرية التركية تشهد في الوقت الحاليّ عملية إعادة تقييم، مع مساعٍ للترميم في ظلّ ساحةٍ إقليمية وعالمية تشهد العديد من المتغيّرات”.
وأضاف أن “مصر تركت الباب مفتوحاً أمام إدراك الحكومة التركية خطأ تقديراتها لمجريات الأمور عقب ثورة 30 يونيو في مصر، التي أطاحت بنظام الإخوان من الحكم”، حسب تعبيره.
وأردف البحيري أن “تركيا أدركت أن الرهان على تنظيم الإخوان كان خاطئاً منذ البداية، لا سيّما أنه كلّف تركيا ثمناً اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً هائلا، لم يعد بأيّ جدوى، بل وانعكست آثاره على الداخل التركي”، حسب تعبيره.
وأشار إلى أن “جائحة فيروس (كورونا) جاءت هي الأخرى لتوجّه ضربةً قاسمةً للاقتصاد العالمي، كان لها أثرها المباشر في السياسات العالمية، والتي كان أبرزها سعي الدول إلى تقليص النفقات الخارجية والبحث عن أرباح اقتصادية في أي مكان في العالم”.
وتابع أن تحركات التقارب بين تركيا ومصر والسعودية والإمارات “تدور في ظل حديثٍ صريح عن المكاسب والخسائر، بما يعود بالنفع على الجميع”.
وعبذر البحيري عن مخاوفه من “محاولة بعض القوى الإقليمية والعالمية للتدخل من أجل إفساد ما يمكن تسميته بالمصالحة المصرية التركية الوشيكة، لأن تلك القوى تعلم جيداً أن هذه المصالح قد تؤدّي إلى تحالفٍ قويّ يغيّر الكثير من حسابات الشرق الأوسط، ويسير بها في اتجاهات لا تروق للكثيرين”.
من جانبه رأى المحلل السياسي مهند حافظ أوغلو، أن “العلاقات التركية المصرية تراوح مكانها بسبب عدم استقلالية الموقف أو الرؤيا المصرية لهذه العلاقات الثنائية”.
وتابع “إذا كانت مصر مُصرّة على ارتهان قرارها للملفات الخارجية أو لعواصم خارجية، فإننا لن نستطيع المُضيّ قدُماً في هذه العلاقات، وبالتالي بناء الثقة من جديد”.
وأضاف أن “على النظام المصري أن يدرك جيداً أنه بحاجة إلى تركيا على المستوى التكتيتي وعلى المستوى الاستراتيجي أكثر مما تركيا هي بحاجة إلى مصر.. كلا الدولتين هما دولتان إقليميتان مهمّتان في المنطقة وقراراتهما مؤثرة”.
ورأى أن “القاهرة يجب أن تعيد حساباتها وأن تنظر إلى مستقبل البلاد والشعب المصري، لا تسجيل نقاط هنا وهناك، فهذه المناكفات، أو عدم التفاعل بإيجابية كافية نحو التحركات تجاه تركيا لن يخدم لا مصر ولا الشعب المصري ولا الاقتصاد المصري”.
وقال حافظ أوغلو “ربما لن يكون هناك حلٌّ حقيقي لملف أزمة سدّ النهضة والذي تستطيع ربما تركيا أن تكون سبباً في حلّ الكثير من نقاط هذا الخلاف”.
وأكد أن “هناك ملفات كثيرة تجعل مصر بحاجة إلى تركيا، ويجب أن تخرج مصر من الارتهان لعواصم خارجية، وركونها إلى شروط ثانوية مثل تسليم مطلوبين لديها من الإخوان المسلمين الموجودين في تركيا، وما شابه من أمور ثانوية، إذا ما نظرنا إلى مشهد العلاقات الإقليمية والدولية ما بين دولتين مهمّتين بهذا الحجم”.
وشددّ أن “الكرة في ملعب القاهرة، وعليها أن تمشي قدماً نحو المزيد من هذه العلاقات، وإلا تركيا لديها بدائل كثيرة، ولن تقف مكتوفة الأيدي لا شرقي المتوسط ولا في ليبيا، ولا في ملفات متعددة كسوريا والعراق، بالرغم من قرار مجلس الأمن الذي جاء مخيّباً للآمال عبر توصيف الوجود التركي في هذه البلدان بأنه احتلال للأراضي العربية”.
وكان المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، عمر تشيليك، قد قال في مؤتمر صحفي في 13 أيلول/سبتمبر الجاري، إن “الجولة الثانية من المحادثات الاستكشافية التي عقدت بين تركيا ومصر في العاصمة أنقرة، تظهر أن العلاقات بين البلدين قطعت خطوة إلى الأمام”.
ولفت إلى أنه “بالإضافة إلى العلاقات الثنائية مع مصر، فإن القضايا الإقليمية من بين الموضوعات التي نحتاج إلى الحديث عنها”.
وفي 10 أيلول/سبتمبر 2021، علّق رئيس الوزراء المصري مصطفي مدبولي، حول عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا، إنه “كان هناك الكثير من الحركة في الأشهر القليلة الماضية ولكن هناك بعض القضايا العالقة”.
وبيّن أنه “يمكن أن تعود العلاقات هذا العام إذا تمّ التغلّب على القضايا العالقة بين البلدين”. وأشار إلى أن “جهود التهدئة تشكل أيضاً جزءاً من إعادة ترتيب أوسع تحدُث في المنطقة منذ انتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن في تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي”.
وكانت وزارتا الخارجية التركية والمصرية قد أعلنتا أن أنقرة والقاهرة جدّدتا رغبتهما في اتخاذ خطواتٍ إضافية من شأنها تعزيز مساعي تطبيع العلاقات بين البلدين.
واتفق الطرفان على مواصلة تلك المشاورات والتأكيد على رغبتهما في تحقيق تقدّم بالموضوعات محلّ النقاش، والحاجة لاتخاذ خطواتٍ إضافية لتيسير تطبيع العلاقات بين الجانبين.
وكانت الجولة الثانية من المشاورات قد عقدت بين الوفدين برئاسة السفير سادات أونال نائب وزير خارجية تركيا، والسفير حمدي سند لوزا نائب وزير خارجية مصر، في العاصمة التركية أنقرة يومي 7 و8 أيلول/سبتمبر 2021.
فيما عقدت الجولة الأولى من المحادثات التركية المصرية على مستوى نواب وزراء الخارجية في أيار/مايو 2021 في العاصمة المصرية القاهرة.
وفي 1 حزيران/يونيو 2021، ذكّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن تركيا ومصر تجمعهما علاقات قوية وتاريخية، مشيراً إلى أن هناك “وحدة في القدر” بين شعبَي البلدين.
وشهدت الفترة الماضية تصريحاتٍ صدرت عن مسؤولين أتراك ومصريين، أعربوا خلالها عن رغبة تركيا ومصر بالتقارب وإنهاء سنوات القطيعة بين البلدين.
وكان البرلمان التركي قد صادق، في 28 نيسان/أبريل 2021، على مذكّرةٍ قدّمها حزب العدالة والتنمية التركي لتشكيل مجموعتَي صداقة مع كلٍّ من مصر وليبيا.
وبرزت خلال الآونة الأخيرة العديد من المؤشرات والرسائل الإيجابية بين تركيا ومصر، وذلك عبر تصريحات المسؤولين في كلا البلدين، الداعية إلى التقارب وتعزيز التعاون.
اقرأ أيضا.. رئيس الوزراء المصري يشكر أردوغان