تقاريرهام

استشهاد إسماعيل هنية يوحد المسلمين حول العالم.. تضامن وتكاتف وصلوات ودعاء (تقرير)

في مشهد غير مسبوق، وحّد استشهاد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، قلوب المسلمين حول العالم، مرسلاً رسالة قوية عن وحدة الأمة الإسلامية وتضامنها مع القضية الفلسطينية.

وكان هنية قد استشهد الأسبوع الماضي في العاصمة الإيرانية طهران غداة مشاركته في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.

وشهدت الأيام القليلة الماضية موجة واسعة من التعاطف والتضامن امتدت عبر القارات، متجاوزة الحدود الجغرافية والسياسية، حيث بدأت مظاهر هذا التضامن من المشرق إلى المغرب، خاصة من خلال إقامة صلوات الغائب في العديد من الدول الإسلامية على الشهيد هنية.

في تركيا، شهدت جميع الولايات الـ 81 إقامة صلاة الغائب، مع تجمع مئات الآلاف في إسطنبول وديار بكر وبعض الولايات الأخرى لأداء الصلاة والتكبير.

كما شارك مئات الآلاف من الأتراك في مظاهرات ومسيرات تضامنية مع فلسطين، عمت عموم تركيا، خاصة في إسطنبول وإزمير وقونيا وماردين وديار بكر وغازي عنتاب وموش وقهرمان مرعش وأنطاليا وغيرسون وطرابزون ووان وسكاريا وبينغول، استجابة لنداء هنية، وذلك بإشراف منظمات مدنية.

وحمل المشاركون في الفعاليات والمسيرات أعلام تركيا وفلسطين وصورا لهنية ولافتات حملت عبارات تطالب بالحرية لفلسطين وأخرى تندد بالمجازر والإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، فضلا عن لافتات تدعم المقاومة الفلسطينية، وأخرى توجه السلام لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”.

وفي الأردن، اجتمع طلاب الجامعة الأردنية لأداء صلاة الغائب، بينما شهدت العاصمة المغربية الرباط مشاهد مماثلة.

وامتد هذا المشهد إلى أقصى شرقي آسيا، حيث أدى المسلمون في كوريا الجنوبية وإندونيسيا صلاة الغائب، وصولاً إلى جزر القمر في المحيط الهندي، وكذلك في باكستان.

وفي إفريقيا، شهدت ليبيا والصومال وتشاد إقامة صلوات مماثلة، مع خروج مظاهرات منددة باغتيال هنية في الصومال.

ولم تقتصر هذه الموجة على العالم الإسلامي فحسب، بل امتدت إلى الجاليات المسلمة في أوروبا، حيث أقيمت صلاة الغائب في النرويج.

كما احتفت محافظة تعز جنوب غربي اليمن بتخرج 721 حافظا وحافظة للقرآن الكريم، ضمن دفعة تحمل اسم الشهيد إسماعيل هنية.

وفي باكستان، شارك رئيس الوزراء في صلاة الغائب التي أقيمت في إسلام آباد، ما يعكس الموقف الرسمي والشعبي المتضامن مع القضية الفلسطينية.

وتكرر المشهد نفسه في اليمن، حيث شهدت العديد من المدن اليمنية مسيرات حاشدة كبرى لرثاء هنية وإقامة صلاة الغائب عليه.

وفي قلب فلسطين، من على منبر المسجد الأقصى، دعا الخطيب عكرمة صبري للقائد الراحل بالرحمة، وأدى مع المصلين صلاة الغائب، في مشهد يجسد عمق الارتباط بين القضية الفلسطينية والمقدسات الإسلامية.

كما كانت العاصمة الإيرانية طهران شهدت تشييعا جماهيريا حاشدا لهنية، قبيل نقل جثمانه إلى العاصمة القطرية الدوحة التي شهدت جنازة كبرى له بمشاركة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وحشد كبير من القطريين والمقيمين، إلى جانب مسؤولين من ول أخرى أبرزهم كبار أركان الدولة التركية والعديد من قادة الأحزاب التركية.

وخلال التشييع، وجه القيادي في حركة المقاومة الإسلامية “حماس” خالد مشعل رسالة إلى دولة قطر.

وأشاد مشعل بموقف قطر أميراً وشعباً وحكومة، مثمناً دعمهم لحركة “حماس” والقضية الفلسطينية، مؤكدا أن “قطر وقفت مع الحركة حين تخلى عنها آخرون، وقدمت لهم المأوى والنصرة”.

وأشار مشعل إلى أن “دفن هنية في قطر يأتي تقديراً لهذا الموقف”، معتبراً إياه “شرفاً للحركة أن يدفن قائدها في مقبرة الإمام المؤسس”.

وقال مشعل في كلمته “يا سمو أمير قطر، يا سمو الأمير الوالد، يا شعب قطر ويا حكومة ورجال قطر، رفع الله شأنكم، شكرا لكم يا قطر”.

وأضاف “حين غاب الكثيرون حضرتم، حين خذلنا الكثيرون نصرتمونا، حين لم نجد مأوى آويتمونا، ولذلك كان حقاً أن يعيش أبو العبد (إسماعيل هنية) قائدا حياً على أرض قطر ثم يدفن فيها، لا أقول ميتاً بل قائداً حياً عند ربه يرزق مع صحبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسبنا أولئك رفيقاً”.

وتابع “لا شك لدي بأن الله سيحفظ قطر، فهنيئاً لك يا سمو الأمير، هنيئا لك يا سمو الأمير الوالد، وفخر لنا أن يدفن أبو العبد في مقبرة الإمام المؤسس في قطر”.

وختم قائلا، إن “الحياة مواقف والحياة رجولة وكم من كبار كنا نظنهم كباراً ولكنهم لم يظهروا كذلك، بينما قطر طوال غمرها كبيرة وزادها الله عظمة ومكانة، فرفع الله شأنكم”.

“صِدق هنية جمع الأمة”

وحول موجة التضامن هذه، قال أسامة عبد الله الساطوري، رئيس اتحاد علماء ومفكري العراق في تصريح لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراق الأخ المجاهد أبي العبد لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.. فلمثل هذا الفقد تبكي العيون وتعتصر القلوب، لكن عزاؤنا أن القادة أمثال الأخ المجاهد القائد إسماعيل هنية باستشهادهم تحيا الأمم، وتنهض الهمم، وتتوحد الجهود نحو الهدف المنشود ألا وهو دحر الظالمين المغتصبين وإرجاع الحق المغتصب للمقدسات الإسلامية وتحرير شعبنا الفلسطيني الأبي من غطرسة بني صهيون المحتلين”.

وأضاف “ليس بالغريب أن نرى تأثير استشهاده بجمع كلمة الأمة على كلمة سواء، فهي أول النصر بإذن الله تعالى، لما عرفت عن الأخ القائد الشهيد عن قرب مدى صدقه وإخلاصه وجهاده وهمه الحقيقي لتحرير أراضينا المحتلة من دنس الصهاينة، ووالله إن الصدق والإخلاص في ذات المرء ليطفو بريقه ظاهرا على أفعاله وتحركاته فيكون تأثيره بقدر كل ثبات وتضحية وإخلاص على أمة بأجمعها، وإن ذلك علامة كبيرة للقبول عند الله سبحانه وتعالى وبذلك نرجو التمكين والعزة والنصر”.

وتابع “لا يسعني في هذا المقام إلا أن أستذكر قول الشاعر بوصفه فقد رجل بأمة: وما كان قيسٌ هُلكُهُ هُلكَ واحدٍ.. ولكنّهُ بُنيانُ قومٍ تهَدّما”.

وختم الساطوري قائلا “إلا أن هذا الحدث الجلل سيولد قادة آخرين أمثاله وبدل هنية سيكون ألف هنية، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”.

ولفت مراقبون إلى أن هذا التضامن الواسع يحمل رسالة قوية مفادها أن القضية الفلسطينية لا تزال حية في ضمير الأمة الإسلامية، وأن استشهاد قادتها يزيد من التفاف الشعوب حولها، كما يعكس هذا المشهد قدرة القضية الفلسطينية على توحيد المسلمين رغم اختلافاتهم السياسية والمذهبية، مؤكداً على مركزيتها في الوجدان الإسلامي العام، حسب تعبيرهم.

ورأى مراقبون أن استشهاد إسماعيل هنية شكّل لحظة فارقة في تاريخ التضامن الإسلامي المعاصر، وقد وحّد هذا الحدث المؤلم المسلمين حول العالم في مشهد نادر من الوحدة والتآزر، مؤكدًا على عمق الارتباط العاطفي والروحي بالقضية الفلسطينية وقادتها، حسب تعبيرهم.

“التضامن في تركيا كان مميزا”

وفي هذا الجانب، قال أحمد الحسني، الأمين العام المساعد لرابطة علماء المغرب العربي لـ “وكالة أنباء تركيا”، “نعم ما شهده العالم الإسلامي من جاكرتا شرقا إلى إلى نواكشوط غربا ومن إسطنبول شمالا إلى جهانسبورك جنوبا من تضامن كبير وتفاعل مع المصيبة الكبيرة باغتيال الشهيد شهيد الحرية والعدالة والمقاومة الرجل الحر إسماعيل هنية أمر جيد ومطلوب شرعا وإنسانية، وما شهدته تركيا خصوصا من تفاعل شعبي كبير وتعاطف حكومي أيضا أمر مميز جدا تشكر عليه تركيا حكومة وشعبا، ولكن يجب على الحكومات في العالم الإسلامي أن تسعى إلى تحويل هذا التضامن الشعبي إلى تحالف دولي يفرض إنهاء الحرب، ويوقف عربدة الاحتلال الصهيوني، وأتمنى أن تلعب تركيا دورا بارزا في هذا الصدد والحمد تركيا لديها الكاريزما الديبلوماسية الكافية للقيام بهذا الأمر وأعتقد أن لدى حكومتها الإرادة أيضا”.

وأضاف “وفق الله الأمة الإسلامية لما فيه الخير وعاشت الأمة الإسلامية حرة أبية عزيزة”.

وأجمع مراقبون أن استشهاد إسماعيل هنية قد أعاد إحياء روح التضامن الإسلامي على نطاق عالمي، مرسلاً رسالة واضحة مفادها أن فلسطين وقضيتها لا تزالان في قلب اهتمامات المسلمين حول العالم، وأن أي مساس بها يستنفر مشاعر الملايين من المؤمنين في شتى بقاع الأرض، مؤكدين أن الرسالة الأساسية تبقى هي قوة الوحدة الإسلامية عندما تتجمع حول قضية مشتركة، وقدرة الشعوب على تجاوز الحدود والخلافات في لحظات التضامن الحاسمة، بحسب تعبيرهم.

زر الذهاب إلى الأعلى