في قلب ولاية إسطنبول التركية، يقف المتحف الفلسطيني شامخًا كمنارة ثقافية تحمل في طياتها عبق التاريخ وروح الحضارة الفلسطينية.
هذا الصرح الثقافي الفريد يفتح أبوابه للزوار ليأخذهم في رحلة عبر الزمن، مستعرضًا الموروث الغني والتاريخ العريق لفلسطين.
كاميرا “وكالة أنباء تركيا” جالت في أرجاء المتحف، مستعرضة المقتنيات المميزة التي يحتويها، والتقت مع القائمين عليه وبعض زواره، لتنقل صورة حية عن هذا الصرح الثقافي الهام.
يعد المتحف الفلسطيني منصة ثقافية رائدة تهدف إلى الحفاظ على التراث والتاريخ الفلسطيني، وتعزيز الوعي بالقضية الفلسطينية من مختلف الجوانب، فمن خلال مجموعة واسعة من المعروضات، يقدم المتحف صورة شاملة عن الحياة الفلسطينية بكل تفاصيلها وتنوعها.
وقال إبراهيم العلي، رئيس مجلس إدارة جمعية متحف فلسطين في إسطنبول، في حديثه مع “وكالة أنباء تركيا”، إن “متحفنا هو منصة فكرية ومعلوماتية تهدف إلى نقل رسالة فلسطين إلى العالم من خلال المعروضات الموجودة فيه، حيث يسعى المتحف لتقديم صورة شاملة عن فلسطين بكل جوانبها، سواء على المستوى التاريخي أو الجغرافي أو البيئي، ونولي اهتمامًا خاصًا لإبراز أهمية القدس، باعتبارها مدينة مقدسة تضم المسجد الأقصى، القبلة الأولى للمسلمين. كما نسلط الضوء على تضحيات الشعب الفلسطيني ومقاومته”.
وأضاف “يستعرض المتحف تاريخ فلسطين عبر العصور المختلفة، بدءًا من العهد العثماني مرورًا بفترة الانتداب البريطاني، ويوضح كيف نشأت مخيمات اللاجئين وكيف توزع الفلسطينيون بعد تهجيرهم من أرضهم”.
وتابع “نهدف من خلال معروضاتنا إلى تفنيد الادعاء الباطل بأن فلسطين كانت (أرضًا بلا شعب لشعب بلا أرض)، ونثبت أن فلسطين كانت مأهولة ومزدهرة، فيها الأدباء والشعراء والمفكرون، وكان لها اقتصادها وإدارتها وحياتها المتكاملة”.
وزاد قائلاً “واجهنا تحديات كبيرة في جمع المقتنيات، خاصة وأن تركيا ليست بلد اللجوء الأول للفلسطينيين، فكل قطعة في هذا المتحف لها قصة وحكاية، وقد تم جلبها من أماكن مختلفة من خلال التواصل مع لاجئين فلسطينيين من الجيل الأول الذين حملوا هذه الأشياء معهم عند تهجيرهم. بعض هذه المقتنيات تشمل مفاتيح البيوت التي تركها الفلسطينيون، ووثائق مثل عقود الزواج أو العمل”.
وختم بالقول “نحن الآن بصدد إطلاق حملة لجمع المزيد من هذه المقتنيات لتكون متاحة للزوار، ليتعرفوا على فلسطين وحضارتها بكل تفاصيلها”.
وتتنوع المقتنيات في المتحف لتشمل الأعمال الفنية التقليدية، والتحف الحرفية، والملابس الفلكلورية التي تعكس الهوية الثقافية الفلسطينية.
كما يضم المتحف مجموعة من الأدوات التي كانت تستخدم في البيوت والحقول، مما يتيح للزائر فرصة فريدة للتعرف على تفاصيل الحياة اليومية للشعب الفلسطيني عبر العصور.
إلى جانب هذه القطع التراثية، يحتفظ المتحف بمجموعة قيمة من الوثائق التاريخية والإدارية التي تسرد قصة فلسطين بكل جوانبها. هذه الوثائق تشكل سجلاً حيًا للتاريخ الفلسطيني، وتقدم للباحثين والمهتمين مادة غنية للدراسة والتحليل.
وقال الإعلامي الفلسطيني فايز أبو عيد لـ “وكالة أنباء تركيا”، “تكمن أهمية متحف فلسطين في قلب إسطنبول في كونه جسرًا ثقافيًا ينقل القضية الفلسطينية ليس فقط إلى المواطن التركي، بل أيضًا إلى الجالية العربية في جميع أنحاء تركيا، فالمتحف يساهم في تعزيز الوعي الجمعي بالقضية الفلسطينية، خاصة وأن هناك العديد من الأتراك المتضامنين مع فلسطين، لكنهم قد لا يكونون على دراية كاملة بتفاصيل القضية، مثل قضايا الأسرى والشهداء”.
وأضاف “لقد واجهنا في تركيا فكرة خاطئة مفادها أن الفلسطينيين باعوا أرضهم، ولذا نحن نسعى لتغيير هذه الفكرة جذريًا من خلال المتحف والكتب والمنتديات والفعاليات الثقافية الفلسطينية في إسطنبول وتركيا عمومًا، فهدفنا هو تعميق الوعي التركي بالقضية الفلسطينية والحفاظ على التراث الفلسطيني بكل مكوناته”.
ويتميز المتحف برؤية طموحة تتمثل في أن يصبح مرجعًا أساسيًا للتعريف بتراث وتاريخ فلسطين، ومنصة لتعزيز الفهم والتواصل الثقافي وتعميق الوعي بالقضية الفلسطينية.
وتترجم هذه الرؤية من خلال رسالة المتحف التي تركز على إبراز الموروث التاريخي والثقافي للشعب الفلسطيني ونشر المعرفة والتوعية بقضيته.
ولتحقيق هذه الرؤية والرسالة، وضع المتحف مجموعة من الأهداف الطموحة. فهو يسعى لجمع وتوثيق وحفظ التحف والأدوات والوثائق التاريخية التي تعكس التاريخ الفلسطيني وثقافته.
كما يهدف إلى عرض هذه المقتنيات بطريقة تسلسلية وتفاعلية تعزز فهم الزوار للموروث الفلسطيني وتاريخه.
وقالت الناشطة الاجتماعية والسياسية الفلسطينية ليلى جرار لـ “وكالة أنباء تركيا”، إن “المتحف الفلسطيني يعيدنا بالذاكرة إلى كل الأحداث الفلسطينية، مستعرضًا تاريخ فلسطين منذ العصور القديمة مرورًا بالعصر العثماني والاحتلال البريطاني ووعد بلفور وصولًا إلى الاحتلال الإسرائيلي، فهو يقدم تاريخ فلسطين بدقة وبطريقة تاريخية صحيحة لكل زائر أو متلقٍ”.
وتابعت “ما أعجبني في المتحف هو شموليته، فهو لا يقتصر على فئة معينة بل يغطي كل جوانب النضال الفلسطيني، فهناك قسم خاص بالشهداء الفلسطينيين من كافة الفئات، بالإضافة إلى غرفة خاصة بالأسرى تسلط الضوء على ظروف الاعتقال في السجون الإسرائيلية، فعلى سبيل المثال، يتم تسليط الضوء على قضية حسن سلامة، المعتقل منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، والذي قضى 15 عامًا في السجن الانفرادي كعقاب على نضاله”.
ويولي المتحف اهتمامًا خاصًا بتشجيع ودعم الأبحاث الأكاديمية والتوثيق المستمر للمعلومات والتاريخ الفلسطيني. كما يسعى لتقديم برامج تعليمية وورش عمل وندوات ومحاضرات للزوار لتعزيز فهمهم وتوعيتهم بالقضية الفلسطينية.
ومن الجدير بالذكر أن المتحف لا يكتفي بعرض الماضي فحسب، بل يمتد دوره ليكون نافذة على الحياة الفلسطينية قبل أحداث النكبة عام 1948، موثقًا أحداث النكبة وما تلاها من انتهاكات بحق الشعب الفلسطيني، ويسلط الضوء على نضال ومقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي عبر التاريخ وحتى يومنا هذا.
وقال الفنان المسرحي جمال محمد لـ “وكالة أنباء تركيا”، “نشكر رئيس الجمعية على دعوتنا لزيارة هذا المتحف المميز الذي يعكس بوضوح تاريخ النضال الفلسطيني وتضحيات الشعب الفلسطيني”.
ووسط كل ذلك، يبقى المتحف الفلسطيني في إسطنبول شاهدًا حيًا على عمق الحضارة الفلسطينية وغناها، ومنبرًا للتواصل الثقافي والإنساني، يدعو الزوار من مختلف أنحاء العالم لاكتشاف روح فلسطين النابضة في قلب إسطنبول.