![](https://tr.agency/wp-content/uploads/2025/02/945401.webp)
في ظل الأزمات المتلاحقة التي يواجهها لبنان، من أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية، تبرز زيارة رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إلى بيروت كحدث دبلوماسي هام.
وتتزامن هذه الزيارة مع مرحلة حساسة في تاريخ لبنان بعد انتخاب الرئيس اللبناني جوزيف عون وإعادة هيكلة النظام السياسي، وتعكس استمرار قطر في لعب دور محوري على الساحة اللبنانية، خاصة في ظل المنافسة الإقليمية والدولية للتأثير على المشهد اللبناني.
وتأتي زيارة رئيس الوزراء القطري تأتي في إطار تقديم التهنئة للرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون، وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وقد أكدت قطر عبر بيان وزارة خارجيتها، أنها “ستواصل الوقوف إلى جانب الشعب اللبناني لتحقيق الأمن والاستقرار” وهو ما يعكس استراتيجية قطرية واضحة في الحفاظ على نفوذها في لبنان، رغم التحديات الإقليمية والداخلية.
وتشير المعلومات إلى أن الجانب القطري مستعد للمشاركة في ورشة إعادة إعمار ما دمره عدوان الاحتلال الإسرائيلي الأخير على لبنان، إذ يأتي هذا العرض في وقت يحتاج فيه لبنان إلى دعم دولي كبير لتجاوز آثار الحرب وتخفيف معاناة شعبه.
وتسعى قطر لتكون وسيطاً فاعلاً في حل الملفات العالقة بين لبنان وسوريا، وعلى رأسها ملف النزوح السوري، الذي يعتبر أحد أكبر التحديات التي تواجه لبنان، كما تعتزم الدوحة المساعدة في قضايا ترسيم الحدود والموقوفين السوريين في لبنان، مما يعكس رغبتها في لعب دور إقليمي متقدم.
وحول ذلك قال الحقوقي والكاتب السياسي، محمد فواز صبلوح لـ “وكالة أنباء تركيا”، إن “لبنان هو جزء لا يتجزأ من جامعة الدول العربية، ولا يمكنه أن يعيش خارج المنظومة العربية، وزيارة وزير الخارجية القطري ليست الأولى من نوعها، قطر دائمًا كانت من الداعمين الأوائل للبنان في كل الأزمات التي مر بها”.
وأضاف أن “وجود قطر على الساحة اللبنانية له أهمية كبيرة جدًا، واليوم، في ظل العهد الجديد، يجب أن يكون هناك دعم حقيقي لاستقرار لبنان ومنعه من الانزلاق إلى أي فتن، ويجب دعم بناء مؤسسات الدولة الحقيقية في لبنان الجديد”.
وتابع أن “خطاب القسم الذي ألقاه رئيس الجمهورية كان واضحًا، وإذا تم تطبيق ما جاء في خطاب القسم سنكون أمام لبنان جديد ومختلف، أما إذا لم يتم تطبيقه – لا سمح الله – فسنواجه مشكلة كبيرة، ولكن دعونا نتفاءل بالخير، ونتفاءل بالإيجابيات التي شهدناها في سوريا، والتي سيكون لها انعكاسات إيجابية على لبنان، لذا علينا أن نركز على الاستقرار والبناء وأن نعمل جميعًا من أجل لبنان المستقبل”.
ورأى مراقبون، أن أحد الجوانب المهمة التي تم تسليط الضوء عليها في هذه الزيارة هو تعديل آلية إدارة العلاقات مع لبنان، فقد ذكرت مصادر أن قطر تسعى لنقل ملف العلاقة مع الجهات اللبنانية كافة من يد جهاز المخابرات القطرية (ممثلاً بالموفد جاسم آل ثاني) إلى وزير الدولة في وزارة الخارجية، محمد الخليفي، وهذه الخطوة قد تكون مؤشراً على رغبة قطر في تبني نهج أكثر شفافية ورسمية في التعامل مع لبنان، بعيداً عن أساليب العمل التقليدية التي كانت تعتمد على شخصيات بعينها، كما يمكن أن تكون هذه الخطوة استجابة للضغوط الدولية أو الإقليمية التي تدعو إلى تعزيز الشفافية في العلاقات الدبلوماسية.
قطر، التي تتمتع بعلاقات قوية مع مختلف الأطراف اللبنانية، بما في ذلك القوى السياسية والطائفية، تسعى لاستثمار هذه العلاقات في تعزيز دورها الإقليمي.
وحول ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي فراس السقال لـ “وكالة أنباء تركيا”، “جاءت زيارة وزير الخارجية القطري في وقتها الصحيح، لإخراج لبنان من وضعه الصعب الذي يعيشه، لعونه في الوقوف على قدميه والنهوض به، فلبنان اليوم يحتاج إلى دعم دول كبرى بكل معنى الكلمة ليستعيد قوته، ويبدأ عملية الإعمار والترميم، بعدما أُنهك بنار الحروب ونير الظلم ومعول الفساد”.
وأضاف “وما أعتقده أن قطر ستنجح في إعادة الحياة لذلك البلد الطيب، ومع ذلك تحتاج إلى تحالفات ومشاركات حقيقية، من دول الجوار أولاً، ومن الدول الداعمة المساهمة ثانياً، وكذلك الضمان من الدول المساندة للكيان الصهيوني حتى لا تعيق عملية الإعمار، إضافة إلى كل ذلك وهو الأهم رغبة اللبنانيين أنفسهم بشكل جاد في جمع كلمتهم، وتوحيد صفوفهم، وإزالة كل ما يعيق القرار اللبناني، لا سيما مسألة الطوائف والمحاصصة التي زرعتها فرنسا في لبنان قبل خروجها منه”.
وأكد أنه “يجب على الدول العربية والمسلمة أن تستغل تلك الفرصة الكبيرة في نجاح الثورة السورية، ودحر إيران، واستعادة السيادة في لبنان، وانتصار غزة، وذلك في تقوية الشعوب المقهورة، وإعانتها على تصحيح مسارها، وإعطاء الفرصة للحكام الجدد الذين يقودون هذه المرحلة، ليثبتوا جدارتهم، وينجحوا في بلادهم، ويلبوا أهداف شعوبهم، وهذا هو الموقف الصحيح والقوي للوقوف في وجه أعداء المسلمين من مجوس وصهاينة وغيرهما”.
وحسب تقارير متطابقة، فإن من أبرز نقاط رئيس الوزراء القطري خلال زيارته إلى لبنان:
ملف الأسرى اللبنانيين لدى الاحتلال الإسرائيلي: قطر، التي سبق لها أن لعبت دور الوساطة في صفقات تبادل أسرى بين حركة المقاومة الإسلامية “حماس” والاحتلال الإسرائيلي، قد تسعى لتوظيف خبرتها في هذا المجال لتقديم المساعدة للبنان في استعادة أسرى لديه.
تطبيق القرار 1701: الخلاف حول تطبيق القرار الأممي 1701 بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي يشكل نقطة أخرى ستناقش خلال الزيارة، وقطر قد تحاول لعب دور الوسيط لضمان تنفيذ هذا القرار بشكل يحفظ حقوق لبنان ويقلل من التوترات على الحدود الجنوبية.
وتعد دعوة الرئيس اللبناني جوزيف عون لزيارة قطر خطوة دبلوماسية مهمة تعكس الرغبة القطرية في تعزيز العلاقات الثنائية على أعلى مستوى، وهذه الزيارة قد تكون فرصة لبحث التعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين، خاصة في ظل حاجة لبنان الماسة للدعم الخارجي.
ويرى مراقبون، أن زيارة رئيس الوزراء القطري إلى لبنان تأتي في توقيت حساس يشهد فيه البلدان تحديات كبيرة على الصعيدين الداخلي والإقليمي. قطر، التي تسعى لتأكيد حضورها في لبنان، تقدم نفسها كلاعب رئيسي قادر على تقديم الدعم السياسي والاقتصادي والإنساني. كما أن تعديل آلية إدارة العلاقات مع لبنان يعكس رغبة قطرية في تبني نهج أكثر شفافية ورسمية.
وعلى الرغم من التنافس الإقليمي، خاصة مع السعودية، يبدو أن قطر نجحت في الحفاظ على نفوذها في لبنان، مستفيدة من علاقاتها القوية مع مختلف الأطراف اللبنانية.
وفي ظل الأزمات المتعددة التي يواجهها لبنان، يمكن أن يكون الدور القطري عاملاً مهماً في تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار، إذا ما تم توظيفه بشكل صحيح.