![ترامب](https://tr.agency/wp-content/uploads/2024/11/2024-11-06T131940Z_190787046_RC2LWAA3XHPS_RTRMADP_3_USA-ELECTION-TRUMP-ECONOMY.jpeg)
أثارت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول نيته الاستيلاء على قطاع غزة وإعادة توطين الفلسطينيين في دول أخرى، ردود فعل رافضة وموجة تنديد عربية ودولية واسعة.
وجاءت هذه التصريحات خلال مؤتمر صحفي مع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث أعلن ترمب عن خطته للسيطرة على القطاع وإمكانية نشر قوات أميركية فيه.
وأثار هذا المخطط تساؤلات حول مستقبل القضية الفلسطينية ويعكس استمرار السياسات الأميركية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي على حساب الحقوق الفلسطينية.
وكشف ترمب عن نيته “الاستيلاء على غزة” ونقل سكانها إلى دول أخرى، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة ستتولى إعادة إعمار القطاع، في حين يرى مراقبون أن هذه التصريحات ليست جديدة تمامًا، إذ كان قد بدأ منذ كانون الثاني/يناير الماضي، في طرح فكرة نقل الفلسطينيين إلى دول مثل مصر والأردن، وهو ما رفضته تلك الدول بشدة.
ويأتي هذا الموقف في إطار سياسة ترمب التي تعطي الأولوية للعلاقات الأميركية مع الاحتلال الإسرائيلي، وتتجاهل الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني، كما يعكس انحيازًا صارخًا للاحتلال الإسرائيلي، مما يزيد من تعقيد الأوضاع في المنطقة ويهدد بتفاقم الصراع.
وحول ذلك، قال المحلل السياسي الفلسطيني محمد القيق لـ “وكالة أنباء تركيا”، إن تصريحات ترامب لا تأتي في إطار وجود حالة فعلية في قطاع غزة، بل تأتي في سياق مفاوضات واستراتيجيات تخويف وترهيب لبعض الأطراف، بما في ذلك الجانب الفلسطيني، لمنعهم من المطالبة بدولة مستقلة، كما تستهدف هذه التصريحات السعودية، حيث يتم تقديم التطبيع كبديل لمنع التهجير، بمعنى آخر، يتم صناعة هدنة أو تجميد للصراع مقابل موافقة السعودية على التطبيع، ويُقدم هذا على أنه انتصار يُقال فيه: (لقد منعنا التهجير، فلنطبع)، وهذه كانت فكرة ترامب”.
وأضاف “لكنني أعتقد أن هذا السيناريو لن يحدث، خاصة بعد البيان الصادر عن الخارجية السعودية، الذي رفض فكرة التطبيع دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة، والدولة الفلسطينية المستقلة لها قوانين دولية تدعمها، وبالتالي فإن رفع سقف المفاوضات هو في الحقيقة حالة استعراضية، كما رأينا في المشهد الذي جمع بين نتنياهو وترامب”.
وتابع “للعلم، فإن كلاً من نتنياهو وترامب يواجهان اتهامات بالفساد والرشوة في بلديهما، ونتنياهو على وجه الخصوص، يواجه محاكمة في المحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بجرائم الحرب، فهؤلاء قاموا بمسرحية استعراضية، حيث حاول كل منهما إظهار قوته، وذلك فقط لرفع معنويات الإسرائيليين بعد الهزيمة في غزة، ورفع معنويات نتنياهو أمام المعارضة، وتعزيز موقفه داخل الحكومة التي يقودها”.
ورأى أن “إطلاق مثل هذه التصريحات النارية يهدف إلى الترهيب، كما ذكرنا، لبعض الأطراف العربية، والأهم من ذلك كله، أن يكون الهدف النهائي من هذه التهديدات هو إدارة اليوم التالي في غزة دون وجود حماس، بحيث تأتي بعض الأنظمة العربية، خاصة دول الطوق، لتقول لحماس: (لقد انتصرنا على ترامب وأوقفنا فكرة التهجير، ولكن دعونا نعمل على اليوم التالي بدونك)، وهذا هو الهدف الحقيقي من كل هذه التصريحات، أما بالنسبة لتهجير غزة، فهذه فكرة فشلت عبر عقود، وليس هذا الإعلان الأول من نوعه”.
وختم قائلا “هذا الإعلان هو مجرد واحد من حوالي 15 إعلانًا مماثلًا في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ عام 1948، مرورًا بحرب 1967، وكانت هناك دائمًا فكرة تاريخية لدى الإسرائيليين بخصوص ابتلاع غزة، سواء في المياه أو في البحر، ولكن في النهاية، ما تم ابتلاعه هي هيبة الاحتلال الإسرائيلي، بينما فشلت تصريحات ترامب التي أطلقها قبل خمس سنوات في (صفقة القرن)”.
وفي السياق، وعلى المستوى الفلسطيني، جاء الرفض قويًا وحازمًا، حيث أكدت القيادة الفلسطينية، بقيادة الرئيس محمود عباس، تمسكها بالثوابت الوطنية، مشددة على أن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين أو الاستيلاء على أراضيهم هي انتهاك صارخ للقوانين الدولية.
وعلى الصعيد الشعبي، عبّر الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة عن رفضهم القاطع لمخططات ترمب، مؤكدين أن “الهجرة الوحيدة” التي يقبلون بها هي العودة إلى أراضيهم المحتلة عام 1948.
بدورها، الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، أدانت التصريحات واعتبرتها تهديدًا مباشرًا للوجود الفلسطيني واستقرار المنطقة.
عربياً، أكد الملك الأردني عبد الله الثاني ضرورة وقف الاستيطان ورفض أي محاولات للتهجير في غزة والضفة الغربية، مشددًا على أهمية تثبيت الفلسطينيين على أرضهم.
وجددت المملكة موقفها الثابت برفض إقامة علاقات دبلوماسية مع الاحتلال الإسرائيلي دون قيام دولة فلسطينية مستقلة، مشددة على أن هذا الموقف ليس محل تفاوض.
يدوره، وصف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خطة تهجير الفلسطينيين بأنها “أمر غير مقبول أبدًا”، مشددًا على أن تركيا تقف ضد جميع مساعي إبعاد الشعب الفلسطيني.
ووصف المقررة الأممية المعنية بفلسطين فرانشيسكا ألبانيز تصريحات ترمب بأنها “منافية للقانون وغير أخلاقية”، ما يعكس الإجماع الدولي على أن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين تمثل انتهاكًا للقوانين الدولية ومبادئ حقوق الإنسان.
وقالت المحللة السياسية عائدة بن عمر لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “ترامب ببلطجيته وصفاقته يقطع الشك باليقين”.
وأضافت “أولاً، نحن ظاهرة صوتية خارج دائرة الفعل، فوق الطاولة (وعلى الـmenu)، نكتشف كل يوم جزءاً جديداً مما خطط للمنطقة، يتحدث عن غزة باعتبارها أرضاً بلا شعب، ونكبة أخرى في الطريق، ومعها تطبيع جماعي كما تنبأت كل التوقعات، فهو يتحدث عن المنطقة بلغة لا يجرؤ أن يتحدث بها عن الولايات المتحدة، بينما شعوبنا المساكين منشغلون بالسياسة بأنظمة ورؤساء وحكومات كومبارس (خارج الموضوع)”.
وتابعت “وثانياً: أكد ترامب المؤكد بأن البلدان العربية تابعة وتدار بحكومات تصريف أعمال لا تملك قرارها السيادي أو الاستراتيجي، بل تؤدي فقط الدور الذي جيء بها من أجله، وتنفذ ما يُملى عليها، تدفع رواتب، وتقدم بعض الخدمات الأساسية (وظيفتها بلدية بحتة)، وبالتالي، توقفوا عن إضاعة الوقت في متابعة السياسة والأحداث والتصريحات والنقاش حولها؛ فهي مجرد صور ودمى متحركة للقوى الكبرى. الحديث الجاد في السياسة لا يكون إلا في دولة مستقلة، وإلا أصبحت السياسة أفيون الشعوب ومضيعة للوقت والجهد”.
وأكدت أن “من لا يستيقظ من الوهم والغيبوبة ويستمر في الرومانسية وأحلام اليقظة بعد اليوم، فلا ترجى استفاقته، وبالتالي فإن تصريحات ترامب ليست هذياناً سياسياً ولا طمعاً تجارياً فقط، بل تحمل مشروعاً استعمارياً لبلاد المسلمين، فليأخذ كلامه على محمل الجد، ثم إن أمريكا، التي ترزح تحت حزمة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، مع تنامي معدلات الفقر والجريمة، لا يملك لها ترامب وحكومته حلولاً ناجعة، ولذلك، يعتمد على تصدير الأزمات إلى الخارج باختلاق الحروب والصراعات”.
واعتبر مراقبون أن تصريحات ترامب تأتي في وقت حساس، حيث بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بين “حماس” والاحتلال الإسرائيلي بوساطة مصر وقطر، ما يعني عرقلة الجهود المبذولة لتحقيق السلام، خاصة وأنها تتناقض مع المطالب الفلسطينية والعربية بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967.
وأشار محللون إلى أن تصريحات ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة واستيلاء الولايات المتحدة على القطاع تمثل تصعيدًا خطيرًا في التعامل مع القضية الفلسطينية، إذ أن هذا المخطط يواجه رفضًا واسعًا على المستويات الشعبية والرسمية العربية والدولية، مما يعكس الإجماع على أن حل القضية الفلسطينية يجب أن يكون عادلًا ومستندًا إلى القانون الدولي.
وحذّر مراقبون من أنه إذا استمرت الإدارة الأميركية في دعم الاحتلال الإسرائيلي وتجاهل الحقوق الفلسطينية، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة التوترات في المنطقة وتهديد الاستقرار الإقليمي، مؤكدين على أن الحل الوحيد المستدام هو إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما يتطلب ضغطًا دوليًا حقيقيًا لتحقيقه.