
في الآونة الأخيرة، شهدت المجتمعات العربية والإسلامية تزايدًا ملحوظًا في ظواهر تثير الجدل، أبرزها انتشار ما يُعرف بالشذوذ الجنسي أو “المثلية” في أماكن التجمعات العامة كملاعب كرة القدم، المهرجانات، والكرنفالات.
هذه الظاهرة التي بدأت تتسلل إلى الحياة العامة أثارت مخاوف كبيرة بين المحافظين على القيم الدينية والأخلاقية، معتبرين إياها تهديدًا مباشرًا للنسيج الاجتماعي واستقرار الأسرة.
وقال الكاتب السياسي مالك عبيد لـ “وكالة أنباء تركيا”، إن “انتشار رموز المثلية، مثل الأعلام والرايات، في الملاعب الرياضية والمهرجانات يُعد سابقة خطيرة تهدد القيم الأخلاقية التي تقوم عليها المجتمعات المحافظة”.
وأضاف أن “هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة، بل لها جذور تاريخية تعود إلى الغرب، وتحديدًا فرنسا التي كانت من أوائل الدول التي شهدت تحولًا جذريًا في التعامل مع هذا السلوك، ففي عام 1789، أصدرت فرنسا قوانين تجرم الشذوذ الجنسي، واستمر هذا التجريم حتى عام 1982، حين ألغيت هذه الأحكام لتحل محلها قوانين تسمح بهذا السلوك وتدعمه، مما فتح الباب أمام انتشار الفكر الهدام في أوروبا ومن ثم إلى بقية العالم”.
وركز على أن هذه الظاهرة تتغلغل عبر أماكن التجمعات الكبيرة كالملاعب والكرنفالات، حيث تُستغل الحشود للترويج لرموز الشذوذ الجنسي، رابطاً ذلك بما يصفه بـ”المؤامرة الماسونية العالمية” التي تهدف إلى تفكيك الأسر والمجتمعات من خلال نشر أفكار تتعارض مع الطبيعة البشرية، حسب تعبيره.
وحذر عبيد من أن هذا الاختراق قد يؤدي إلى انحلال أخلاقي يضرب أسس الأسرة، وهي اللبنة الأساسية للمجتمع المحافظ.
واعتبر أن آثار الشذوذ الجنسي تشكل خطرًا وجوديًا على المجتمعات المحافظة التي تقدس القيم الإسلامية والأخلاق الحميدة، محذرًا من أن السماح بانتشارها قد يُفضي إلى انهيار كامل للنظام الاجتماعي.
ودعا عبيد المجتمعات إلى التنبه لهذا “الخطر الداهم” من خلال تعزيز الوعي المجتمعي والتمسك بالشرائع السماوية.
ويرى مراقبون أن الوعي المجتمعي، التشريعات الرادعة، والتوازن بين الرفض والرحمة، قد يكون هو السبيل لمواجهة هذا “الاختراق”، لكن السؤال الأكبر يبقى: هل تستطيع هذه المجتمعات الصمود أمام التيارات العالمية المتسارعة؟
من جهته، أوضح الراقي الشرعي الدكتور محمد محسوب إبراهيم في حديثه لـ “وكالة أنباء تركيا”، أن “الشذوذ الجنسي ليس مجرد سلوك فردي، بل هو انحراف عن الفطرة الإنسانية التي خلق الله الناس عليها”.
وأكد على أن “جميع الشرائع السماوية ترفضه وتعتبره ظلمًا وتجاوزًا لحدود الله”، مستشهدًا بأن الشخص الشاذ يصبح عاصيًا يستحق العقاب ما لم يتب.
ورأى أن “التحول في النظرة إليه من كونه مرضًا أو انحرافًا إلى الدفاع عنه كحق يعود إلى تأثير الدول الغربية والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة التي ساهمت في تطبيعه”.
ورأى أن “وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا كبيرًا في نشر هذه الظاهرة بين الشباب المراهقين، فمن خلال المنصات الرقمية، تُروَّج أنماط موسيقية وثقافية مرتبطة بالمثلية، بالإضافة إلى تمجيد فنانين ورياضيين شواذ أو متحولين جنسيًا، مما يجعلهم قدوة للأجيال الجديدة”.
ولفت إلى أن هذا الترويج يتم بشكل خفي تحت غطاء “التنوع” و”الحرية الفردية”، مما يجعل قبوله أسهل في المجتمعات غير المدركة لخطورته، وفق تعبيره.
وحذّر إبراهيم من الآثار السلبية المتعددة لانتشار الشذوذ الجنسي، ويُصنفها كالتالي:
الصحة العامة: يُشير إلى أن الشواذ أكثر عرضة للأمراض المنقولة جنسيًا كالإيدز، بالإضافة إلى أمراض أخرى مثل التهاب الكبد الوبائي واضطرابات نفسية كالاكتئاب والقلق التي قد تؤدي إلى الانتحار.
تفكك الأسرة: يرى أن ممارسة الشذوذ تُقلل من الإقبال على الزواج الشرعي، مما يزيد من مشكلات اجتماعية كالعنوسة والطلاق، ويُغير التركيبة التقليدية للأسرة.
القيم الأخلاقية: يؤكد أن الشذوذ يُحدث خللاً في المعايير الدينية والأخلاقية، مما يؤدي إلى انتشار الجرائم كالقتل والسرقة وتعاطي المخدرات.
وأجمع المراقبون على أن هناك توافقًا باعتبار الشذوذ الجنسي تهديدًا متعدد الأبعاد، لكنهما يختلفان في التركيز؛ فبينما يركز الكاتب السياسي عبيد على الجانب السياسي والمؤامرات العالمية، يُركز الراقي الشرعي إبراهيم على الجوانب الشرعية والاجتماعية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذه الظاهرة بالفعل تُشكل خطرًا داهمًا على المجتمعات العربية والإسلامية، أم أنها مجرد تعبير عن حريات فردية تتسع لها ثقافات معينة دون أخرى؟
وحسب المراقبين، فإنه من الناحية التاريخية، يُظهر مسار الغرب تحولًا تدريجيًا من التجريم إلى التطبيع، لكن هذا التحول لم يحدث بمعزل عن الصراعات الثقافية والسياسية.
في المقابل، تظل المجتمعات المحافظة متمسكة بقيمها الدينية كدرع واقٍ ضد هذه التغيرات، مما يُفسر حدة الرفض والخوف من “الاختراق”.
وشدّد الدكتور إبراهيم على دور الدول العربية والإسلامية في حماية قيمها من خلال سن قوانين صارمة، مع عدم إغفال الجانب الإنساني بدعوة الشواذ إلى التوبة والعودة إلى الله، مشيرًا إلى قوله تعالى “يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم، لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً”.
ووسط كل ذلك، تظل قضية الشذوذ الجنسي محور جدل عالمي بين دعاة الحرية الفردية وأنصار القيم التقليدية، وفي حين تُشكل الملاعب والمهرجانات ساحة جديدة لظهور هذه الرموز، فإن المجتمعات المحافظة تواجه تحديًا كبيرًا في الحفاظ على هويتها الأخلاقية.