مدونات TRمميز

رسالتي من إسطنبول إلى بيروت.. عبر آيا صوفيا

يوم تركت بيروت

لأسبابٍ عديدة قررت حزم أمتعتي والمضيّ برحلة استكشافٍ جديدة وجهتها تركيا.

لم تعد بيروت تصلح لأن أعيش فيها، ففي آخر فترةٍ من مكوثي فيها، اكتشفت كم أننا ضعفاء أمام نظامها الطائفي وقمعها الاقتصادي. بيروت، التي كانت وجهةً للوطن العربي والغربي تدفن اليوم أحلام شبابها وطاقاتهم وطموحاتهم.

 

الخبر الصّادم

بعد وصولي إلى إسطنبول بعدّة أيام، استيقظت على خبرٍ صادم، أفجع الكثير من الدول وأفرح قلوب عشرات الملايين بل ومئات الملايين من البشر.

لم يكن الخبر عن مجزرةٍ في بورما أو الإيغور أو سوريا؛ على العكس، كان رسالة سلام من تركيا إلى العالم.

لسخرية القدر، يموت يومياً الآلاف من الأطفال والنساء والرجال في العالم من الجوع والفقر والمرض والبطش والحروب، ولم نسمع يوماً بتصريحاً يُسلّط الضوء عليهم لا من رجال سياسة ولا دين ولا اقتصاد.

ولكن، يوم أُعلِنَ افتتاح مسجد آيا صوفيا، انتخت رجالات العالم وهمّوا بشحن شعوبهم دينياً وطائفياً وعقائدياً، فلم كل هذا الامتعاض؟
لن أغوص في بحر الجدالات الدينية والتاريخية حول هذا الصرح العريق، فهذا أمر انتهينا منه.

 

24 ساعة قبل الافتتاح

قمت بجولةٍ مساء الخميس، قبل افتتاح مسجد آيا صوفيا بساعات، لأُلقي نظرة على شكل الشارع التركي في تلك الليلة التاريخية، ولم يخب توقعي.

رأيت الناس تملأ الشوارع، منهم من ينشد ومنهم من يُكبِّر ويهلل، حتى أن من فضّل المكوث في منزله لابتعاده عن هذه الطقوس الدينية، نام في فراشه مطمئناً وفرحاً لوقوف بلاده بكل قوّة وإرادة وصلابة في وجه القرارات الدولية. يقول لي أحد الأصدقاء الأتراك، “أتعلم يا أخي، أنا لا تعنيني التفاصيل الدينية، ولكن نحن اليوم دولة قوية وكبيرة، ٨٥ مليون مواطن بقلب واحد، مهما فرّقتنا آراؤنا السياسية نجتمع تحت راية الوطن.. البيرق أولاً”.

وأضاف “تسجيل موقف كهذا يعني أننا جسورون، يمكننا تحدي أي دولة، نحن لا نريد الاعتداء على أحد ولكن لا يحق لأحد أن يتدخل بشؤوننا، لا يحق لأحد أن يخلق شرخ في هذا الحائط البشري، فهو رأسمالنا”.

وفي اليوم التالي، يوم الجمعة في 24 تموز 2020 رأيت أعداداً من المصلّين يتهافتون إلى مسجد آيا صوفيا من كل المحافظات التركية، حتى وأن البعض انتظر صلاة الجمعة من ليل الخميس على أبواب آيا صوفيا.

ما بين بيروت وإسطنبول

بمشاعر مختلطة، أنهيت ذلك اليوم.

من جهةٍ، كنت شديد الفرح، فأنا شهدت على أحد أعظم أحداث التاريخ المُعاصر! ليس ذلك فقط، بل وعشت حالة من الائتلاف الوطني والمحبة والمودة العامّة التي ربما لم أرها يوماً في بيروت.

ومن جهةٍ أُخرى، كل ما نام معي في فراشي خيبتي في بلدي الحبيب وشعب بلدي؛ هذا الشعب الذي يعرف اليد التي تغتاله ولا يزال يُقبل هذه اليد. ما أحوجنا اليوم أن نعرف معنى علم بلادنا، أن نتلاحم، ونتّحد على مصلحة وطننا قبل فوات الأوان.

لبنان اليوم في العناية المُركّزة، شفاه الله وعافاه.

مبروك على تركيا هذا اليوم التاريخي.

زر الذهاب إلى الأعلى