
في ظل الجدل المتصاعد حول ما يُعرف بـ”الديانة الإبراهيمية” أو “البيت الإبراهيمي”، تتزايد الأصوات التي تصف هذا المشروع بأنه “فاشل بامتياز”، ليس فقط على الصعيد الإقليمي، بل حتى داخل الدول التي تبنت الترويج له كجزء من رؤية سياسية ودينية مشتركة.
ويأتي هذا التقييم في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات كبرى، أبرزها عملية “طوفان الأقصى” التي يرى مراقبون أنها كسرت شوكة هذا المشروع وما يرتبط به من تحالفات.
خلفية المشروع وأهدافه المعلنة
“الديانة الإبراهيمية” هو مصطلح ظهر بقوة في السنوات الأخيرة، خاصة بعد توقيع “اتفاقيات أبراهام” عام 2020 بين الاحتلال الإسرائيلي وعدد من الدول العربية، مثل الإمارات والبحرين.
ويُروج لهذا المشروع على أنه دعوة لتوحيد الأديان السماوية الثلاث – الإسلام والمسيحية واليهودية – تحت مظلة واحدة، مستندة إلى الإرث المشترك للنبي إبراهيم عليه السلام.
ومن أبرز تجلياته المادية افتتاح “بيت العائلة الإبراهيمية” في أبوظبي عام 2023، وهو مجمع يضم مسجداً وكنيسة وكنيساً يهودياً، كرمز للتعايش الديني.
لكن وراء هذه الواجهة الدينية، يرى محللون أن المشروع يحمل أبعاداً سياسية وعسكرية بعيدة المدى.
وقد أشار الباحث السياسي محمد القيق في تصريح لـ “وكالة أنباء تركيا” إلى أن “الديانة الإبراهيمية ليست مجرد تسويق ديني، بل هي منهجية تتعلق بالعسكرية والأمن الإبراهيمي، تُروَّج في أوساط الحالة العربية بهدف التطبيع مع إسرائيل”.
وأضاف: “طوفان الأقصى كسر شوكة هذا المشروع، لأن مفاهيمه تبنى على استسلام الفلسطينيين، لكن الفلسطيني خرج من تحت الركام وقلب المعادلة”.
لماذا يُوصف بالفشل؟
وعلى الرغم من الدعم المالي والإعلامي الهائل الذي حظي به المشروع، إلا أن مؤشرات الفشل بدأت تظهر مبكراً داخل الدول المروجة له، مثل الإمارات.
من جانبه، علق الكاتب والحقوقي عبد الناصر حوشان قائلاً في تصريح لـ “وكالة أنباء تركيا”، “من الطبيعي أن يفشل هكذا مشروع لأنه بدعة لا سند لها في أي شريعة سماوية، الدين عند الله الإسلام، وهذا قانون إلهي، والتلاعب به عبث، لأن كل قوم لهم شرعة ومنهاج، وجمع الديانات المحرفة مع الإسلام مستحيل لتعارضها مع العقيدة الصحيحة”.
وأكد حوشان أن “الغاية من المشروع سياسية وليست دينية، وأتباع هذه الديانات لا يؤمنون به أصلاً”.
تحليل الواقع على الأرض
تقارير حديثة تشير إلى أن المشروع لم يحقق الانتشار المتوقع حتى في الدول التي رعت تأسيسه.
ففي الإمارات، على سبيل المثال، لم تتجاوز نسبة الإقبال على “بيت العائلة الإبراهيمية” التوقعات، حيث أظهرت صور متداولة على “إكس” في نيسان/أبريل 2025 حضوراً ضعيفاً لـ”الصلوات والفعاليات الدينية”.
وعلى الصعيد الإقليمي، يرى مراقبون أن عملية “طوفان الأقصى” في تشرين الأول/أكتوبر 2023، التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، شكلت ضربة قاصمة للمشروع، فقد كشفت عن هشاشة فكرة التطبيع الديني في ظل استمرار الاحتلال والصراع.
وقال الباحث محمد القيق، “الفلسطيني أثبت أن المشروع باطل، لأنه ليس مدخلاً للسلام بل أداة للاستسلام، وهذا ما جعل الدول المروجة له في موقف محرج”.
ردود الفعل الشعبية والدينية
على منصة “إكس”، تتزايد المنشورات التي تعكس رفضاً شعبياً واسعاً، أما دينياً، أعلن الأزهر الشريف، بقيادة الشيخ أحمد الطيب، رفضه القاطع للمشروع في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، معتبراً أنه “دعوة لمصادرة حرية الاعتقاد”، كما أكدت الكنيسة القبطية موقفاً مشابهاً، مشيرة إلى أن الديانات لا يمكن صهرها في قالب واحد دون المساس بجوهرها.
مستقبل المشروع: هل انتهى فعلاً؟
رغم الفشل الظاهر داخل الدول المروجة، يحذر خبراء من أن المشروع قد يتحول إلى أدوات أخرى، مثل تعزيز “التحالف الإبراهيمي” العسكري أو “الناتو العربي”، كما أشار القيق، لكنهم يتفقون على أن الرفض الشعبي والديني سيظل العقبة الأكبر، حسب تعبيره.
وفي بحث عبر الإنترنت، أظهرت تقارير حديثة مثل مقال في موقع “الجزيرة نت” بتاريخ 8 حزيران/يونيو 2024، أن “اتفاقيات أبراهام” نفسها تواجه تحديات متزايدة بعد “طوفان الأقصى”، مما يعزز فرضية تراجع المشروع الإبراهيمي ككل.
ووسط كل ذلك، يبدو أن “الديانة الإبراهيمية”، التي وُصفت بـ”مشروع العصر”، تواجه مصيراً صعباً، فهل كانت مجرد فكرة طوباوية أم أداة سياسية فشلت في اختبار الواقع؟ الإجابة، كما يرى الكثيرون، تكمن في صمود الشعوب وتمسكها بهويتها.