
تشهد الساحة السورية تطورات متسارعة تثير اهتمام الأطراف الإقليمية والدولية، مع تصاعد الحديث عن احتمالية نشر تركيا لمنظومات دفاع جوي متقدمة في سوريا.
هذا التحرك المحتمل، الذي يأتي في سياق تعاون عسكري محتمل بين أنقرة ودمشق، أثار مخاوف الاحتلال الإسرائيلي الذي يرى فيه تهديدًا محتملاً لحرية عملياته العسكرية في المنطقة، بينما ينظر إليه محللون سوريون وأتراك كخطوة استراتيجية لتعزيز الاستقرار وإعادة تشكيل موازين القوى في سوريا.
خلفية التحركات التركية
ومنذ الإطاحة بنظام بشار الأسد المخلوع في كانون الأول/ديسمبر 2024، عززت تركيا حضورها في سوريا، مستفيدة من علاقتها الوثيقة مع فصائل المعارضة التي ساهمت في تغيير المشهد السياسي.
وتشير تقارير حديثة إلى أن تركيا والحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس السوري أحمد الشرع تتباحثان لإبرام اتفاقية دفاع مشترك قد تشمل نشر منظومات دفاع جوي متطورة، مثل “حصار” (Hisar) أو حتى “إس-400” الروسية، في مناطق استراتيجية مثل قاعدة “تي فور” الجوية في حمص أو مواقع شمالي سوريا، بهدف توفير غطاء جوي للحكومة الجديدة التي تعاني من ضعف قدراتها الدفاعية.
ووفقًا لتقارير نشرتها وسائل إعلام إقليمية في نيسان/أبريل 2025، فإن تركيا تسعى من خلال هذه الخطوة إلى تحقيق هدفين رئيسيين: دعم الاستقرار في سوريا عبر مساندة الحكومة الجديدة، وتعزيز نفوذها العسكري في مواجهة التهديدات المحتملة، سواء من تنظيم “داعش” الإرهابي الذي لا يزال يحتفظ بخلايا نشطة، أو من غارات الاحتلال الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية.
موقف الاحتلال الإسرائيلي.. قلق متصاعد
وأبدى الاحتلال الإسرائيلي قلقه الواضح إزاء هذه التطورات، ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية، مثل صحيفة “جيروزاليم بوست” في 2 نيسان/أبريل 2025، عن مصادر أمنية قولها إن “إنشاء قاعدة جوية تركية أو نشر منظومات دفاع جوي متقدمة في سوريا قد يقوض حرية العمليات الإسرائيلية”.
كما أشار العقيد في الاحتياط جاك نريه، في تصريح للقناة 14 الإسرائيلية بتاريخ 4 نيسان/أبريل 2025، إلى أن نشر منظومة مثل “إس-400” شمالي سوريا قد يحد من قدرة سلاح الجو الإسرائيلي على تنفيذ عملياته بحرية، معتبرًا أن ذلك يشكل “مصدر قلق كبير”.
وفي هذا السياق، يرى الخبير العسكري السوري الدكتور عبد الله الأسعد أن الاحتلال الإسرائيلي “لا يسعى فقط لمنع نشر هذه المنظومات، بل يطمح إلى إبقاء سوريا منطقة خالية من أي أسلحة استراتيجية أو معدات ثقيلة”.
وأوضح الأسعد في حديثه مع “وكالة أنباء تركيا”، أن “ما قامت به إسرائيل من غارات جوية مؤخرًا، مثل تلك التي استهدفت قواعد في حمص وحماة في أوائل نيسان/أبريل 2025، هو عمل استباقي لردع تركيا عن تعزيز وجودها العسكري”.
وأضاف “لكن تركيا، في حال أبرمت اتفاقية دفاع مشترك مع سوريا، ستعمل على ترتيب منطقة نفوذها الجوي والأرضي بشكل يحمي مصالحها دون أن يعني ذلك بالضرورة تغطية كامل الأجواء السورية”.
رؤية سورية تركية: تعزيز الاستقرار والسيادة
من جهة أخرى، يبرز المحلل السياسي الدكتور مأمون سيد عيسى أهمية هذا التعاون المحتمل بين تركيا وسوريا.
وفي حديث مع “وكالة أنباء تركيا”، قال سيد عيسى، إن “الأولوية ليست في رأي إسرائيل، بل في تحقيق مصالح الشعب السوري، فنشر منظومات دفاع جوي ضمن تحالف عسكري بين سوريا وتركيا، كدولة عضو في حلف (الناتو) وصديقة للسوريين منذ بداية ثورتهم، سيعيد رسم خريطة النفوذ العسكري في سوريا بما يعزز قوتها ومناعتها”.
وأكد أن هذا التحالف قد يسهم في تحقيق الاستقرار الداخلي في سوريا، خاصة في ظل التهديدات المستمرة من الاحتلال الإسرائيلي الذي ينتهك الأجواء السورية بشكل شبه يومي، إلى جانب مخاطر إيران وفلول النظام السابق، ومحاولات تفتيت البلاد، حسب تعبيره.
وأشار عيسى إلى أن “التاريخ المشترك بين الشعبين التركي والسوري، الذي يمتد لقرون، يشكل أرضية صلبة للتعاون”، مضيفًا أن “هذا التحالف يجب أن يتم باحترام كامل لسيادة سوريا وبما يحقق مصالح الطرفين”.
وتتفق هذه الرؤية مع ما أوردته تقارير من “الجزيرة نت” في 4 نيسان/أبريل 2025، التي تحدثت عن مفاوضات مستمرة بين أنقرة ودمشق لتجهيز قواعد مثل “تي فور” بأنظمة دفاع جوي وطائرات مسيرة هجومية، بهدف دعم الجهود المشتركة ضد التهديدات الأمنية.
إعادة تشكيل المشهد العسكري
ومع استمرار اللقاءات بين تركيا وسوريا، يبدو أن المنطقة على أعتاب تحول استراتيجي قد يعيد تشكيل خريطة النفوذ العسكري فيها، إذ أن نشر منظومات دفاع جوي متقدمة في سوريا قد لا يكون مجرد رد فعل على التهديدات الإسرائيلية أو الإرهابية، بل خطوة مدروسة لتعزيز التعاون بين أنقرة ودمشق، ما يمنح سوريا قدرة دفاعية أكبر ويرسخ دور تركيا كلاعب رئيسي في المشهد الإقليمي.
وفيما يبقى الاحتلال الإسرائيلي في حالة ترقب، يتوقع المراقبون أن تشهد الأسابيع المقبلة مزيدًا من التطورات التي ستحدد مسار هذا التحالف المحتمل وتأثيراته على المنطقة بأسرها.