تقاريرمميز

رفض الفيدرالية ودعم الوحدة.. تركيا تدعم رسم خريطة سوريا الجديدة الموحدة (تقرير)

في ظل التحولات السياسية المتسارعة في سوريا عقب سقوط نظام الأسد المخلوع في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، أدلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتصريحات حاسمة تؤكد دعم تركيا للحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، مشددًا على أن أي محاولة لزعزعة استقرار سوريا أو تقسيمها ستواجه ردًا قويًا من تركيا.

وفي السياق ذاته، أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان رفض تركيا القاطع لأي محاولات لإقامة حكم فيدرالي في سوريا، خاصة من جانب تنظيمي PKK وPKK/PYD الإرهابيين.

السياق السياسي والأمني

الرئيس أردوغان، في مؤتمر صحفي عقب اجتماع للحكومة التركية في العاصمة التركية أنقرة يوم الثلاثاء 15 نيسان/أبريل 2025، أكد أن تركيا تقف إلى جانب الحكومة السورية الجديدة، وأن أي طرف يحاول “إثارة الفتن” أو زعزعة استقرار سوريا سيجد نفسه في مواجهة تركيا.

هذه التصريحات تأتي في وقت تشهد فيه سوريا مرحلة انتقالية حساسة بعد الإطاحة بنظام الأسد المخلوع، حيث تسعى أنقرة لتثبيت وجودها كداعم رئيسي في تشكيل مستقبل سوريا.

وأشار أردوغان إلى أن عودة سوريا إلى ما قبل 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 “مستبعدة”، مؤكدًا أن عهدًا جديدًا قد بدأ، وأن تركيا لن تسمح بتقسيم سوريا، سواء عبر إنشاء “ممر إرهابي” في الشمال على يد PKK/PYD الإرهابي، أو من خلال محاولات أخرى لإنشاء كيانات منفصلة.

من جهته، شدد وزير الخارجية هاكان فيدان، خلال مؤتمر صحفي في منتدى أنطاليا الدبلوماسي في أوائل نيسان/أبريل 2025، على أن تركيا لن تتسامح مع أي هيكل فيدرالي في سوريا، وأن أي تشكيل مسلح خارج إطار الجيش السوري الوطني لن يُسمح به.

الأمن القومي ومكافحة “الإرهاب”

تعتبر تركيا أن وجود PKK/PYD الإرهابي، الذي يهيمن عليه PKK الإرهابي، تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.

أردوغان وفيدان أكدا مرارًا أن أنقرة لن تسمح بإنشاء كيان كردي مستقل أو فيدرالي على حدودها الجنوبية، معتبرين أن ذلك سيفتح الباب لتعزيز نفوذ PKK الإرهابي، الذي يشن تمردًا مسلحًا ضد تركيا منذ عقود.

وأوضح إبراهيم خولاني، باحث مساعد في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في تصريح لـ”وكالة أنباء تركيا” أن تصريحات أردوغان وفيدان تعكس “موقفًا استراتيجيًا واضحًا من أنقرة لرسم خطوط حمراء في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد”.

وأضاف خولاني أن “تركيا تعتبر أي خطوة لإقامة كيان فيدرالي، خاصة من قبل قسد، تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي بسبب الارتباط الوثيق بين قسد وحزب العمال الكردستاني”.

وأشار إلى أن “أنقرة تسعى من خلال هذه التصريحات إلى ترسيخ دورها كضامن أساسي لوحدة الأراضي السورية، وفرض نفسها كطرف لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات سياسية أو أمنية تخص مستقبل سوريا، خاصة في شمالها”.

كما لفت حوراني إلى أن هذه التصريحات تحمل “رسالة تحذير مبطنة” بأن تركيا لن تسمح بفرض أمر واقع على حدودها الجنوبية، سواء عبر دعم كيان كردي مستقل أو تجاهل المخاوف الأمنية التركية.

ويرى مراقبون، أن تركيا التي نفذت عدة عمليات عسكرية في شمال سوريا منذ 2016، مثل “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”، تهدف إلى إقامة “حزام أمني” خالٍ من القوات الكردية على حدودها، وتصريحات أردوغان الأخيرة تؤكد استمرار هذه السياسة، مع التركيز على دعم الحكومة السورية الجديدة لضمان وحدة الأراضي السورية ومنع أي محاولات انفصالية.

الدور الإقليمي ومواجهة التدخلات الخارجية

وتسعى تركيا إلى ترسيخ دورها كضامن لاستقرار سوريا، خاصة في مواجهة التدخلات الخارجية، لا سيما من الاحتلال الإسرائيلي، حيث اتهم أردوغان الاحتلال الإسرائيلي بمحاولة “نسف ثورة 8 ديسمبر” من خلال تأجيج الخلافات العرقية والدينية وتحريض الأقليات ضد الحكومة السورية.

وتعكس هذه التصريحات قلق أنقرة من أن يستغل الاحتلال الإسرائيلي الفوضى في سوريا لتعزيز نفوذها، خاصة في ظل الضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة على أهداف في سوريا.

الوزير فيدان، من جانبه، دعا إلى احترام سيادة سوريا، مشيرًا إلى أن الهجمات الإسرائيلية تشكل تهديدًا لاستقرار المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، تسعى تركيا إلى مواجهة النفوذ الأمريكي شمال شرق سوريا، حيث تدعم الولايات المتحدة PKK/PYD الإرهابي كحليف رئيسي في مكافحة تنظيم (داعش) الإرهابي.

وأشار أردوغان إلى أن تركيا لا تتوقع استمرار التعاون الدولي مع “التنظيمات الإرهابية” في سوريا، في إشارة واضحة إلى التحالف الأمريكي الكردي، إذ يعكس هذا الموقف رغبة أنقرة في إعادة تشكيل المعادلة الأمنية شمالي سوريا بما يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية.

قضية اللاجئين والعلاقات الاقتصادية

ويُعد ملف اللاجئين السوريين أحد الدوافع الرئيسية وراء التقارب التركي-السوري، حيث تستضيف تركيا حوالي 3.6 مليون لاجئ سوري، وهو ما يشكل ضغطًا كبيرًا على اقتصادها وسياستها الداخلية.

الباحث السياسي رشيد حوراني أوضح في تصريح لـ”وكالة أنباء تركيا” أن تركيا حرصت بعد سقوط نظام الأسد المخلوع على “إظهار دورها في سوريا بشكل كبير”، مشيرًا إلى مشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع في مؤتمر أنطاليا والاهتمام اللافت من المسؤولين الأتراك.

وأضاف حوراني أن “التقارب التركي مع النظام السوري الجديد يهدف إلى معالجة أمرين طارئين: الأول هو مشكلة اللاجئين وتداعياتها على الداخل التركي، والثاني هو تهديد الأمن القومي التركي من خلال قسد، التي تربطها تركيا بدعم نظام الأسد السابق لحزب العمال الكردستاني منذ ثمانينيات القرن الماضي”.

وأكد حوراني أن تركيا ترى في النظام السوري الجديد “علاقات تكامل” على عكس سياسة “الاحتواء” التي اتبعتها مع نظام الأسد المخلوع في العقد الأول من الألفية، حسب تعبيره.

واعتبر أن هذه العلاقات تشمل “تعاونًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا يعزز قوة تركيا إقليميًا، بما يتماشى مع سياسة النظام السوري الجديد الذي أظهر خلال الأشهر الأربعة الماضية رغبته في تسكين المشاكل مع الأطراف الإقليمية والدولية، والانطلاق نحو الاستقرار والنماء، وهو نموذج قريب من النهج التركي”.

الدبلوماسية والتوافق الإقليمي

وتأتي تصريحات أردوغان وفيدان في سياق دبلوماسي نشط، حيث تسعى تركيا إلى تعزيز تعاونها مع الأطراف الإقليمية مثل الأردن ودول الخليج لدعم استقرار سوريا.

فيدان أشار إلى أن تركيا ستنسق مع الأردن ودول أخرى بشأن ملف (داعش) الإرهابي، مما يعكس رغبة أنقرة في بناء تحالفات إقليمية لمواجهة التحديات الأمنية.

كما أن زيارة أردوغان المرتقبة إلى سوريا، التي أعلن عنها فيدان، تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية وتأكيد التزام تركيا بدعم الحكومة السورية الجديدة.

لقاء أردوغان مع الرئيس السوري أحمد الشرع على هامش منتدى أنطاليا يعكس هذا التوجه، حيث أكد أردوغان خلال اللقاء على عدم السماح بافتعال الفوضى في سوريا.

وهذا التقارب يعكس رؤية تركيا لنظام سوري جديد يتبنى سياسة “تسكين المشاكل” والتعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية، وهو نموذج يتماشى مع النهج التركي في تعزيز الاستقرار والنمو في المنطقة.

ردود الفعل والتداعيات

تصريحات أردوغان وفيدان أثارت ردود فعل متباينة. من جهة، رحبت الحكومة السورية الجديدة بالدعم التركي، حيث يرى الرئيس أحمد الشرع في تركيا شريكًا استراتيجيًا يمكنه دعم استقرار سوريا.

وعلى الصعيد الدولي، قد تواجه تركيا تحديات في تنفيذ رؤيتها، خاصة في ظل الدعم الأمريكي المستمر لـ PKK/PYD الإرهابي، ومع ذلك، فإن تراجع النفوذ الروسي والإيراني في سوريا بعد سقوط الأسد المخلوع يمنح تركيا فرصة لتعزيز دورها، خاصة إذا نجحت في بناء تحالفات إقليمية قوية.

ووسط كل ذلك، تعكس تصريحات أردوغان وفيدان استراتيجية تركية متعددة الأبعاد تهدف إلى تعزيز الأمن القومي، مواجهة التدخلات الخارجية، وحل أزمة اللاجئين، مع ترسيخ دور أنقرة كلاعب رئيسي في سوريا.

ويعكس رفض الحكم الفيدرالي ودعم وحدة الأراضي السورية، مخاوف تركيا من تهديدات PKKوPKK/PYD الإرهابيين، بينما تؤكد التصريحات على رغبة أنقرة في بناء علاقات تكامل مع النظام السوري الجديد.

وفي ظل التحديات الإقليمية والدولية، ستحتاج تركيا إلى توازن دبلوماسي دقيق لتحقيق أهدافها دون إثارة صراعات جديدة.

ومع إعلان فيدان عن زيارة مرتقبة لأردوغان إلى سوريا، يبدو أن أنقرة عازمة على لعب دور حاسم في تشكيل مستقبل سوريا، مع الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، حسب مراقبين.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى