
أكد خطبة الجمعة في عموم مساجد تركيا، اليوم، على مكانة الوقف في الإسلام كأحد أبرز مظاهر التعاون والتضامن المجتمعي، واستعرضت قصة سيدنا عثمان رضي الله عنه مع بئر رومة، مشدداً على أن الوقف هو تحويل المال إلى أمانة دائمة في خدمة الناس وإعلاءً لمرضاة الله.
كما ركزت الخطبة على أهمية الحفاظ على الأوقاف وحمايتها من الاستغلال أو تحويلها عن أهدافها الشرعية.
ونبّهت من مخاطر بعض المؤسسات التي تستغل العمل الخيري لأغراض مخالفة للدين والقيم، داعية المسلمين إلى العناية بتأسيس أعمال البر ونقلها للأجيال القادمة طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
وجاء في خطبة الجمعة “بعد هجرة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام إلى المدينة المنورة ظهرت مشكلة نقص المياه في المدينة، وكان بئر رومة الذي كان الحل لهذه المشكلة في يد يهودي كان يبيع كل قطرة ماء واحدة مقابل المال، عندها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من اشترى هذا البئر وجعله لمنفعة المسلمين، فإن الله سيعطيه في الجنة خيرا منه)، فسمع هذا الوعد سيدنا عثمان رضي الله عنه، فاشترى البئر، ووهبه لمن يحتاج إليه”.
وأضافت أن “الوقف هو الشكل المؤسسي للتعاون والتضامن، والوقف هو قول النبي صلى الله عليه وسلم (خير الناس أنفعهم للناس) بشعار نبوي، ويعني تقديم الإمكانيات التي نمتلكها لفائدة جميع المخلوقات”.
وتابعت أن “ما يعجب أعيننا، وما تحبه قلوبنا وما لا تطيق أيدينا التفريط به، يجب أن نكرسه في سبيل الله دون انتظار أي مقابل، والوقف هو جعل المال الذي أودعه الله في أيدينا أمانة دائمة، وتحويله إلى زاد للآخرة (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) استجابة لهذا الأمر الإلهي، يتعين علينا الإنفاق ليس من المال الزائد، بل من المال الأكثر قيمة بالنسبة لنا. ويجب أن نكون مصدر فرح لليتيم، وملاذ للمحتاجين، وأمل للمظلومين، ومواساة للمرضى”.
وأشارت إلى أن “الحضارة الإسلامية هي في الوقت نفسه حضارة وقفية. والمسلم هو الإنسان الذي يعيش هذه الحضارة، وقال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أحد أحاديثه (ظل زائل وعارية مسترجعة لا يبقى منه إلا ما أنفقته في سبيل الله وما عدا ذلك فإنما هو مال الورثة)، وقد اتخذ أجدادنا هذا الحديث شعارا لهم؛ فكانوا روادا للخير من خلال المساجد والمدارس والمستشفيات ومطابخ الطعام والمكتبات والخانات والجسور والنافورات التي شيدوها، لقد تركوا العديد من الأعمال التي ستذكر بالخير، ولتحقيق بشرى الله تعالى (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة)، فقد بذل شعبنا العزيز روحه في سبيل الدين والوطن والمقدسات عندما دعت الحاجة، ولم يتردد في إنفاق كل ماله في سبيل رضا الله”.
وجاء في خطبة الجمعة أن “جميع مواضع الخير والأعمال الخيرية هي أمانات من المتبرعين، إنها أماكن قدمت في سبيل الله ووضعت في خدمة الإنسانية، ولذلك، فإن استخدام هذه الأعمال وإيراداتها فيما لا يوافق أهدافها يعد وزرا عظيما وإثما كبيرا، وإغلاقها ليس خيانة لمن تبرع بها فحسب، بل هو خيانة لحقوق جميع الناس الذين يستفيدون من تلك التبرعات، ومن العبارات العامة التي ترد في كل وقف (لا ير هؤلاء الذين يأكلون دخل الأوقاف بغير حق وجه السعادة في الدنيا والآخرة، لتكن لعنة الله، والرسول، والملائكة، وجميع المسلمين على الذين يغيرون شروط الوقفية)”.
ولفتت إلى أن “الأوقاف تؤسس بنية تعظيم الخالق، والترحم والرفق بالمخلوق.. ومع الأسف، ففي يومنا هذا، توجد بعض الكيانات التي تتخذ شكل الجمعيات والمنظمات الخيرية، تستغل مظاهر المساعدة والخدمة لتنفيذ أنشطة هدامة تلحق الضرر بأثمن ما تملكه أمتنا، من دين، وقيم أخلاقية، وكيان أسري، وشباب”.
وتابعت “وخصوصا تحت غطاء التعليم والثقافة والفنون، فإن بعض الأنشطة تسمم عقول الشباب في الحياة العادية وعلى المنصات الرقمية، ومع أن ديننا الإسلام الحنيف لا يجيز، تحت أي اسم أو هدف، ممارسة أنشطة تخالف أوامر الله ونواهيه، فإنه لا يجوز تنظيم فعاليات تناقض عقيدتنا وتاريخنا وقيمنا، وتهدد سلمنا ووحدتنا.ولا يجوز الإسهام في أعمال تفسد الفطرة، وتهدم البيوت، وتضرب الأسرة في أساسها، أو تمس بمال الإنسان ونفسه وكرامته وشرفه، ولا يجوز أن نكون سببا في نشر الفساد والعري والأفكار الباطلة والعقائد المنحرفة بين شبابنا. ولا يجوز، تحت مسمى حقوق الحيوان، أن تستغل لمصالح فردية فيستهان بقيمة حياة الإنسان”.
وأكدت على أن “الأوقاف هي الأختام الخالدة لحضارة الإسلام، إنها مفاتيح الخير وأقفال الشر، وما ينبغي علينا هو أن نولي مزيدا من العناية بتأسيس مؤسسات الخير، وحمايتها، ونقلها إلى الأجيال القادمة، استجابة لقوله تعالى (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله)، ويجب ألا ننسى أن ما سنجده في الحياة الأبدية ليس ما جمعناه وادخرناه، بل ما أنفقناه في سبيل الله على درب الخير”.
واختتمت الخطبة بتحذير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قال “يقول ابن آدم: مالي، مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟”.