تتزايد المخاوف في الآونة الأخيرة من مفهوم “الديانة الإبراهيمية” الذي تروج له بعض الجهات، وذلك لارتباطه بمحاولات تهويد مدينة القدس وتغيير هويتها العربية والإسلامية.
تُعرَّف “الديانة الإبراهيمية” حسب من يروج لها أنها “ديانة توحيدية تدعو إلى عبادة إله واحد وتؤمن أن إبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء، في حين يشمل هذا المفهوم الديانات السماوية الثلاث: اليهودية، المسيحية، والإسلام”.
ويُستخدم هذا المفهوم كغطاء ديني لمحاولات تهويد مدينة القدس من خلال:
إضفاء الشرعية الدينية على الاحتلال الإسرائيلي: إذ يزعم المؤيدون لهذا المفهوم أن لليهود الصهاينة حق بمدينة القدس وبالتالي يحق لهم السيطرة عليها أو إدارتها.
تغيير الرواية التاريخية للمدينة: يتم التركيز على تجاهل تاريخها الإسلامي والمسيحي ومحاولة صبغه باليهودية فقط، وذلك من خلال:
إقامة المتاحف والمعارض التي تروج للرواية اليهودية حول المدينة.
إقصاء الفلسطينيين حيث يتم استبعاد الفلسطينيين من مفهوم “الديانة الإبراهيمية”، ما يؤدي إلى تهميشهم وتجاهل حقوقهم التاريخية في المدينة.
تبرير الاستيطان والتهجير حيث يتم استخدام المفهوم لتبرير بناء المستوطنات وتهجير الفلسطينيين من القدس بحجة أنها “أرض الميعاد” للشعب اليهودي.
الباحث الفلسطيني محمد القيق، قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “الديانة الإبراهيمية أو الاتفاق الإبراهيمي أو المعاهدات الإبراهيمية، كلها معادلات تتكامل في نصب الشرق الأوسط الجديد بما لا يشمل الإسلام ولا يشمل جامعة الدول العربية ولا يشمل منظومة المسجد الأقصى المبارك وحالة الاستقطاب العربي له، وبالتالي تتكامل الأدوار بتكسير وتدمير أي أجندة مقاومة للحفاظ على المسجد الأقصى المبارك، بالتزامن مع تخدير وإفراغ جامعة الدول العربية من مضمونها لاستبدالها بجامعة دول الشرق الأوسط ضمن صفقة القرن وهذا لم يعلن عنه ولاحقاً سيعلن عنه”.
وأضاف القيق أن “هذا يتكامل مع تفريغ عقول الناس من المفهوم الديني وإدخال التشويش في مرحلة الديانة الإبراهيمية التي انبثقت عنها فكرة الاتفاقيات الإبراهيمية وأبراهام، وهذا يعني أن المنطقة يجب أن تُدمج فيها إسرائيل بكل السبل الإعلامية والسياسية والعسكرية والميدانية والدينية، وهذا ينعكس فورا على ما يجري من إزالة القُدسية في نفسية المواطن العربي، والحق والأولوية للمسجد الأقصى المبارك، تمهيدا لمخططاتهم التي تستمر ولم تتوقف حتى اللحظة بل تستمر، وما يتوقف فقط هو حالة التكاتف والوحدة العربية متمثلة في إفراغ جامعة الدول العربية من مضمونها وشللها أمام الإبادة الجماعية وتحويل العرب إلى وسيط ومجموعة عربية، وهذا كله في إطار التطبيع الإقليمي لطمس معالم الثبات العربي في وجه المشروع الأمريكي في المنطقة”.
وحذّر مراقبون من أن “مفهوم الديانة الإبراهيمية يمثل خطراً كبيراً على القضية الفلسطينية، إذ يؤدي إلى: تقويض الهوية العربية والإسلامية للقدس، من خلال تهديد طمس المعالم الإسلامية والمسيحية في المدينة وتغيير طابعها التاريخي والحضاري. إضافة إلى شرعنة الاحتلال الإسرائيلي، حيث يمنح الاحتلال غطاءً دينياً ويبرر سياساته التوسعية في القدس. يضاف إلى ذلك إضعاف الموقف الفلسطيني، من خلال تشتيت الجهود الفلسطينية وإضعاف موقفها في المفاوضات.
ويرفض الفلسطينيون والعرب مفهوم الديانة الإبراهيمية بشكل قاطع، ويعتبرونه محاولة لتصفية القضية الفلسطينية وتغيير هوية القدس، بل ويؤكدون على أن القدس مدينة عربية إسلامية محتلة، وأن الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق الوحيد في تقرير مصيرها.
من جهتها، قالت المحللة السياسية عائدة بن عمر لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “الدين الإبراهيمي المزعوم، هو دين جديد مستحدث يضم الإسلام والمسيحية واليهودية، يجتمع فيه أصحاب الأديان الثلاثة يوم الخميس لأداء صلاة موحدة، بِمُجَمعٍ ديني ضخم يضم مسجدا وكنيسة وكنيسا، بدل صلاة الجمعة لدى المسلمين وصلاة السبت لليهود وصلاة الأحد للنصارى، حتى تنصهر الديانات كلها في بوتقة واحدة، لا تكون فيها الرفعة لأي دين على الآخر، على أن تعمم هذه الفكرة على الجميع بعد الانتهاء من تطبيع كل الدول الإسلامية مع العدو الصهيوني، لتجتمع كل شعوب المعمورة في مدينة (أور) الكلدانية جنوبي العراق، التي تحتضن بيت النبي إبراهيم عليه السلام وتصلي لله شكرا على رسالة النبي إبراهيم التي جمعت تلك الجموع، في صورة من الكفر البواح بالرسالة المحمدية التي جاء بها خاتم النبيين محمد عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم”.
وأضافت “منذ تسعينيات القرن الماضي بينما كانت أغلب شعوب العالم الإسلامي ترزح تحت وطأة الفوضى الأمنية والعصى الاقتصادية الغليظة للدول الغربية المهيمنة التي كانت تمدنا بالقمح والسكر والحليب والتي أوصلتنا لذلك الوضع، كانت مخابرها تحضر لنا طبخات فكرية أخرى تقضي بها على شأفتنا قضاء مبرما لن تقوم لنا بعده قائمة، عملت بعض الدول ومن ورائها الكثير من الأنظمة العميلة على تنفيذ هذا المشروع من خلال مناداتها بوجوب تغيير الخطاب الديني للإسلام ووجوب صياغة مفاهيم جديدة لآيات القرآن، فحضرت لهذا الغرض مجموعة من أشباه العلماء لا سابقة لهم بعلم شرعي ولا معرفة، فبذلوا جهدهم في تغيير مفاهيم القرآن والطعن في السنة من إنكار للحدود وإسقاط الجهاد وتكذيب الأحاديث والطعن في رواتها، حتى يحضروا الأرضية الصلبة التي سيقوم عليها بناء الدين الإبراهيمي الجديد، فيلقى القبول عند الكثير من الناس من اتباع الدجاجلة”.
وختمت بالقول “من هنا يجب أن نؤكد أن الدين الإبراهيمي هو احتلال فكرة، والاحتلال الفكري والعقدي هو تأبيد للوجود الصهيوني”.
من جانبهم، يرى البعض من المحللين أن الحديث عن “الديانة الإبراهيمية” في سياق القدس يُستخدم كغطاء ديني لتمرير سياسات تهدف إلى تهويد المدينة، من خلال إضفاء شرعية دينية للاحتلال الإسرائيلي، إذ يتم استخدام البعد الديني المشترك لتبرير سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على القدس وتقديمها كمدينة موحدة تحت السيادة اليهودية.
كما يستخدم في سياق تهميش الحقوق الإسلامية والمسيحية، حيث يتم تجاهل الحقوق التاريخية والدينية للمسلمين والمسيحيين في القدس، والتركيز على البعد اليهودي للمدينة، إضاف إلى تغيير الطابع الديمغرافي والثقافي، حيث يتم العمل على تغيير التركيبة السكانية للمدينة من خلال سياسات الاستيطان والتهجير، وتغيير معالمها الثقافية والحضارية.
ووسط كل ذلك، يؤكد أكاديميون ومحللون أن مفهوم “الديانة الإبراهيمية” يمثل خطراً حقيقياً على مدينة القدس والقضية الفلسطينية، ويجب على المجتمع الدولي والأمة العربية والإسلامية الوقوف بحزم ضد محاولات تهويد المدينة وتغيير هويتها التاريخية والحضارية، معتبرين أن سياسات التهويد هي انتهاك للقانون الدولي وحقوق الإنسان، وتقوض فرص السلام العادل.